الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: لا تحتلب ماشية أحد بغير إذن

          ░8▒ (باب: لا تُحْلَبُ ماشِيَة أحدٍ بِغَيْرِ إِذْن)
          هكذا أطلق التَّرجمة على وَفْق ظاهر الحديث إشارة إلى الرَّدِّ على مَنْ خَصَّصَه أوْ قَيَّدَه (1). انتهى [مِنَ «الفتح»].
          قالَ القَسْطَلَّانيُّ تبعًا للحافظ بعد ذكر الحديث: وفيه النَّهي عن أن يأْخُذَ المُسلم للمُسلم شيئًا بغير إذنه، وإنَّما خصَّ اللَّبن بالذِّكر لتساهل النَّاس فيه، فنبَّه به على ما هو أعلى منه.
          وقالَ النَّوويُّ في «شرح المهذَّب»: اختَلف العلماء فيمن مَرَّ ببستان أو زرع أو ماشية فقال الجمهور: لا يجوز أن يأخذ منه شيئًا إلَّا في حال الضَّرورة فيأخذ ويغرم عند الشَّافعيِّ والجمهور، منهم الإمام أبو حنيفة ومالك والشَّافعيُّ وأصحابهم، وقال بعض السَّلف: لا يلزمه شيء، وقال أحمد: إذا لم يكن على البستان حائط جاز له الأكل مِنَ الفاكهة الرَّطْبة في أصحِّ الرِّوايتين ولو لم يحتج إلى ذلك، وفي الرِّواية الأخرى إذا احتاج ولا ضمان عليه في الحالتين، وعلَّق الشَّافعيُّ القول بذلك على صحَّة الحديث.
          قال البَيْهَقيُّ: يعني: حديث ابن عمر مرفوعًا: ((إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ بِحَائِطٍ فَلْيَأْكُلْ وَلاَ يَتَّخِذْ خُبْنَةً)) أخرجه التِّرمذيُّ، وذهب كثير مِنَ السَّلف إلى الجواز مُطْلقًا في الأكل والشُّرب سواء عَلم بطيب نفسه أو لم يعلم لرواية أبي داود والتِّرمذيِّ، وصحَّحه عن سَمُرة مرفوعًا: ((إذَا أتى أحَدُكُم عَلَى مَاشِيَةٍ فإنْ لم يكن صَاحِبُهَا فِيهَا فَلْيُصَوِّتْ ثَلاَثًا فَإنْ أجَابَ فَلْيَسْتَأَذِنْهُ، فإنْ أَذِنَ لَهُ وإلَّا فَلْيَحْلِبْ ولْيَشْرَبْ ولاَ يَحْمِلْ)) وأجيب عنه بأنَّ حديث النَّهي أصحُّ، فهو أَولى بأن يُعمل به، وبأنَّه معارض للقواعد القَطْعيَّة في تحريم مال المسلم بغير إذنه فلا يلتفت إليه... إلى آخر ما بسط في وجوه الجمع بين الرِّوايات المتعارضة في هذه المسألة (2).


[1] فتح الباري:5/88
[2] المجموع شرح المهذب:9/56 مختصرا، وفي الأصل تخريج للأحاديث الواردة وتفصيل فيها فليراجع