الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب استقبال الحاج القادمين والثلاثة على الدابة

          ░13▒ (باب: استقبال الحاجِّ القادمينَ والثَّلاثة على الدَّابَّة)
          كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: والأظهر أنَّ (الحاجِّ) مفعول مقدَّم و(القادمينَ) مع ما عطف عليه مِنَ (الثَّلاثة) فاعل له، ودلالة الرِّواية على استقبال الثَّلاثة مِنْ حيثُ إنَّ المذكور فيها لفظ (الأغيلمة) وهو يصدق على الثَّلاث(1) مِنْ غير تكلُّف، ويمكن أن يقال: المعنى باب: في بيان استقبال الرَّجلين حاجًّا، وفي بيان ركوب الثَّلاثة على دابَّة. انتهى.
          وفي «هامشه»: اختلفوا في ضبط هذه التَّرجمة والمرادِ بها، قالَ الكَرْمانيُّ: (القادمين) _بالجمع_ صفة لـ(الحاجِّ) لأنَّ (الحاجِّ) في معنى الجمع، ولفظ (الثَّلاثة) عطف على الاستقبال، وفي بعضها: مضافًا إلى(2) <الغلامين>، وفي بعضها: <القادمين>، وتوجيهه مع إشكاله أن يقرأ: <الحاجَّ> _بالنَّصب_ ويكون (استقبال) مضافًا إلى <الغلامين> نحو قوله تعالى: {قَتْلَ أَوْلَادَهُمْ شُرَكَائِهِمْ} [الأنعام:137] _بنصب {أَوْلَادَهُمْ} وجرِّ الشُّركاء_ أو يكون الاستقبال مضافًا إلى (الحاجِّ)، و<الغلامين>: مفعول.
          فإن قلت: لفظ استقبله يفيد عكس ذلك الاستقبال، قلت: الاستقبال إنَّما هو مِنَ الطَّرفين. انتهى.
          وتبع العينيُّ كلام الكَرمانيِّ وقال: قوله: وفي بعضها: <الغلامين> أي: وفي بعض النُّسخ: <باب: استقبال الحاجِّ / الغلامين>.
          وقال القَسْطَلَّانيُّ: قوله: (القادمِينَ) أي: إلى مكَّة بكسر الميم وفتح النُّون، بصيغة الجمع صفة للحاجِّ لإطلاقه على المفرد والجمع، و(استقبال) مصدر مضاف إلى مفعوله، ولأبي ذر: <القادمَين> بفتح الميم، بصيغة التَّثنية، و<الثَّلاثةِ> بالجرِّ كما في بعض الأصول عطف على استقبال، أي: واستقبال الثَّلاثة، وفي «اليونينيَّة»: <والثَّلاثةَ> _بالنَّصب_ أي: واستقبال الحاج الثَّلاثة حال كونهم على الدَّابَّة، والاستقبال يكون مِنَ الطَّرفين لأنَّ مَنِ استقبلك فقد استقبلته... إلى آخر ما قال.
          وقال الحافظ: اشتملت هذه التَّرجمة على حكمين، ودلالة حديث الباب على الثَّاني ظاهرة، وقد أفردها بالذِّكر قُبيل كتاب الأدب، وأورد فيها هذا الحديث بعينه، وأمَّا الحكم الأوَّل فأخرجه مِنْ حديث الباب بطريق العموم لأنَّ قدومه صلعم مكَّة أعمُّ مِنْ أن يكون في حجَّة أو عُمْرَة أو غزو، وقوله: (القادمين) صفة للحاجِّ، وكون التَّرجمة لتلقِّي القادم مِنَ الحجِّ، والحديث دالٌّ على تلقِّي القادم للحجِّ ليس بينهما تخالف لاتِّفاقهما مِنْ حيثُ المعنى(3). انتهى.
          قلت: وهذا أوجَهُ عندي فإنَّ غرض المصنِّف مِنَ التَّرجمة كما هو ظاهر مِنْ سياق التَّراجم هو استقبال النَّاس للحاجِّ القادمين مِنْ مكَّة، واستنبطه الإمام البخاريُّ مِنِ استقبال النَّاس للقادم إلى مكَّة، ولا يبعد عندي أنَّ المصنِّف أشار إلى ردِّ ما حكي عن الإمام أحمد: يشيَّع الرَّجل إذا خرج، ولا يتلقَّونه، كذا في «المغني» وفي «نيل المآرب»: مِنْ(4) تشييع الغازي لا تلقِّيه، كذا في «الأوجز».
          والجزء الثَّاني للتَّرجمة إنَّما ذكره الإمام البخاريُّ هاهنا استطرادًا.
          وقال الحافظ: أخرج الطَّبَرانيُّ في «الأوسط» عن جابر: ((نهى رسول الله صلعم أن يركب ثلاثة على دابَّة)) وسنده ضعيف، قالَ النَّوويُّ: مذهبنا ومذهب(5) العلماء كافَّةً جوازُ ركوب ثلاثة على دابَّة إذا كانت مطيقة، وحكى القاضي عياض منعه عن بعضهم مُطْلقًا، وهو فاسد، قال الحافظ: لم يصرِّح أحد بالجواز مع العجز، ولا بالمنع مع الطَّاقة، بل المنقول مِنَ المطلق في المنع والجوازِ محمولٌ على المقيَّد(6). انتهى.


[1] في (المطبوع): ((الثلاثة)).
[2] في (المطبوع): ((إلا)).
[3] فتح الباري:3/619 مختصرا
[4] في (المطبوع): ((سن)).
[5] في (المطبوع): ((ومذاهب)).
[6] فتح الباري:10/396 مختصرا