الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب كم اعتمر النبي صلعم

          ░3▒ (باب: كم اعتمر النَّبيُّ صلعم؟)
          اختلفت الرِّوايات فيه، والمعروف أنَّه صلعم اعتمر أربع عمرات، ففي «سنن أبي داود»: عن(1) ابن عبَّاس قال: ((اعتمر رسول الله صلعم أربع عمرٍ:
          الأولى(2): عُمْرَة الحُدَيبِيَة.
          والثَّانية: حين تواطؤوا على عُمْرَةٍ مِنْ قابل.
          والثَّالثة: مِنَ الجِعِرَّانة.
          والرَّابعة: الَّتِي قَرَن مع حجَّته))(3)، كما في حديث الباب عن أنس ☺ مع ألفاظ مختلفة.
          وفي «الفيض»: اختلفت الرُّواة في تعديدها، فبعضهم لم يعدُّوا عُمْرَة الحُدَيبِيَة لعدم تماميَّتها، وبعضهم لم يعدوا عُمْرَة الجِعِرَّانة لكونها في سواد اللَّيل، ومنهم مَنْ لم يعدَّ العُمْرَة مع حجَّته لعدم تميُّزها مِنْ حجَّته، فهذه عبارات أنَّ ذلك اختلاف. انتهى.
          قلت: وقد خفي على ابن عمر عُمْرَة الجِعِرَّانة، ولذا أنكره هو ومولاه نافع، فقد أخرج البخاريُّ مِنْ طريق أيوب عن نافع قال: ((لم يعتمر رسول الله صلعم مِنَ الجِعِرَّانة، ولو اعتمر لم يخفَ على عبد الله)) وأخرج مسلم مِنْ هذا الوجه عن نافع قال: ((ذُكر عند ابن عمر عُمْرَة رسول الله صلعم مِنَ الجِعِرَّانة، فقال: لم يعتمر منها)).
          قالَ النَّوويُّ: هذا محمول على نفي عِلمه، أي: أنَّه لم يعْلم ذلك، وقد ثبت أنَّ النَّبيَّ صلعم اعتمر مِنَ الجِعِرَّانة، والإثبات مقدَّم على النَّفي، وقد ذكر مسلم في كتاب الحجِّ اعتمارَ النَّبيِّ صلعم مِنَ الجِعِرَّانة عام حُنين مِنْ رواية أنس. انتهى مِنْ «جزء عمرات النَّبيِّ صلعم».
          وقال الحافظ: أورد في الباب حديث عائشة وابن عمر: في أنَّه اعتمر أربعًا، وكذا حديث أنس، وختم بحديث البراء أنَّه اعتمر مرتين، والجمع بينه وبين أحاديثهم أنَّه لم يعد العُمْرَة الَّتِي قرنها بحجَّته لأنَّ حديثه مقيَّد بكون ذلك وقع في ذي القَعدة، والَّتي في حجَّته كانت في ذي الحجَّة، وكأنَّه لم يعد أيضًا الَّتِي صدَّ عنها وإن كانت وقعت في ذي القعدة، أو عدَّها ولم يعدَّ عُمْرَة الجِعِرَّانة لخفائها عليه كما خفيت على غيره(4)... إلى آخر ما قال.
          وفي «جزء حجَّة الوداع» بعد بسط الكلام: فالحاصل أنَّ مَنْ قال: اعتمر أربعًا عدَّ فيهن الحُدَيبِيَة أيضًا لأنَّ فيها ثبتت / أحكام العُمْرَة الكثيرة مِنَ الإحرام والاصطياد والطِّيب وغيرها، وأمَّا مَنْ قال: اعتمر ثلاثًا فيحتمل أنَّه لم يعد عُمْرَة الحجِّ لكونها داخلة في الحجِّ أو عُمْرَة الجِعِرَّانة لخفائها لكونها في اللَّيل، أو لم يعد فيها عُمْرَة الحُدَيبِيَة لكونها لم تكمل، وأمَّا مَنْ قال: اعتمر مرَّتين فلم يعدَّ فيها عُمْرَة الحجِّ وعُمْرَة الحُدَيبِيَة، بل عدَّ العمرتين المفردتين التَّامَّتين أو لعلَّه لم يعدَّ الجِعِرَّانة لخفائها عليه. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((وعن)).
[2] قوله: ((الأولى)) ليس في (المطبوع).
[3] سنن أبي داود، باب العُمْرَة، رقم:1993
[4] فتح الباري:3/600