التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه

          2047- قوله: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) هو الحكم بن نافع.
          قوله: (وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) يعني: ابن عوف، واسمه كنيته، قاله مالك، وقِيلَ: اسمه عبدالله.
          قوله: (وَتَقُولُونَ مَا بَالُ المُهَاجِرِينَ، وَالأَنْصَارِ) أي: ما حالهم.
          قوله: (وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنَ المُهَاجِرِينَ) أراد: الأخوة في الدين.
          قوله: (كَانَ يَشْغَلُهُمْ صَفْقٌ بِالأَسْوَاقِ) (يَشْغَلُهُمْ) بفتح أوله، ويجوز ضمه، قال صاحب «الأفعال»: والصحيح: شغلني الشيء، وأشغلني لغة رديئة، والصفق بالسين والصاد المهملتين: صفق الكف عند البيع، والمراد: التتابع لأنَّ المتعاقدين يضع أحدهم كفه في كف صاحبه، وربما صفق أحدهما اللفظ لأخرى، ومنه سُمِّيَت الصفقة صفقة، وكانوا إذا تبايعوا تصافقوا بالأكف أمارة / أمارة لانتزاع المبيع، وذلك أن الأملاك إنَّما تضاف إلى الأيدي، والمقبوض يقع بها، فإذا تصافقت الأكف انقلبت الأملاك، واستقرت كل يد منها على ما صار لكلِّ واحد منهما من ملك صاحبه، وكان المهاجرون تجارًا، والأنصار أصحاب زرع، فيغيبون لها عن الحضرة الشريفة في أكثر أحواله، ولا يسمعون من حديثه إلا ما كان يحدث به في أوقات حضورهم، وأبو هريرة حاضر دهره لا يفوته منها إلا ما شاء الله، ثمَّ لا يستولي عليه النسيان لصدق عنايته بضبطه، وقلة اشتغاله لغيره، وقد لحقه دعوة رسول الله صلعم ، فقامت له الحجَّة على من أنكر أمره، واستغرب شأنه.
          قوله: (وَكُنْتُ امْرًَا من مساكين أهل الصُّفَّةِ) هم فقراء المهاجرين، ومن لم يكن له منهم منزل يسكنه، فكانوا يأوون إلى موضع مظلل في المسجد يسكنونه، أي لم يكن لي غيره ولا اشتغال لا بتجارة ولا بزراعة.
          قوله: (أَلْزَمُ رَسُولَ اللهِ صلعم عَلَى مِلْءِ بَطْنِي) أي: مقتنعًا (1) بالقوت، قوله: (أَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ) أي: أحفظ. فإن قلت: هو حال عن فاعل (كنت)، والحال مقارن له، فكيف يكون هو ماضيًا وهذا مستقبلًا؟ قال الكرماني: قلت: هو استئناف، مع أنَّه لو كان حالًا لصح لأنَّ المضارع يكون لحكاية الحال الماضية. فإن قلت: لم اقتصر في حق الأنصار على قوله: (أعي)، وترك ذكر: (أشهد إذا غابوا)، وذكرهما في حق المهاجرين؟ قال الكرماني: إمَّا لأنَّ غيبة الأنصار كانت أقل، وكيف لا والمدينة بلدهم ومسكنهم، ووقت الزراعة وقت معلوم؟ فلم يعتد بغيبتهم لقلتها، وإما أن هذا عام للطائفتين، كما أن (أشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا) يعم بأن يقدرا في قضية الأنصار أيضًا بقرينة السياق وسائر الروايات المعممة كما مر في باب حفظ العلم.
          قوله: (فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ) أي: كساء ملونًا، ولعله أخذ من النمر لما فيه من بياض وسواد، وفيه فضيلة أبي هريرة ☺، وكان حافظ الأمة، وفيه أنَّ الاشتغال بالدنيا وتحصيل العلم قل ما يجتمعان. فإن قيل: إذا كان أبو هريرة أكثر أخذًا للعلم وأزهد، فهو أفضل من غيره لأنَّ الفضيلة ليست إلا بالعلم به والعمل. فجوابه: أنَّه لا يلزم من كثرة (2) الأخذ كونه أعلم، ولا من اشتغالهم عدم زهدهم، مع أن الأفضلية معناها: أكثرية الثواب عند الله، وأسبابه لا تنحصر في أخذ العلم ونحوه، فقد يكون بإعلاء كلمة الله وأمثالها. قاله الكرماني. قلت: / ويؤيده قوله صلعم في حق الصديق: «ما سبقكم أبو بكر بكثر صوم ولا صلاة ولا صدقة، ولكن بشيء وقر في صدره» كما هو معين حديثه، ولِواجع (3) لفظه. والله أعلم.


[1] صورتها في الأصل:((متقنعاً)).
[2] صورتها في الأصل:((كثرته)) فلتراجع.
[3] كذا في الاصل.