التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقًا في الجاهلية

          2050- قوله: (حدَّثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ المسندي) هو بفتح النون أبو جعفر عبدالله بن محمَّد بن عبدالله الجعفي البخاري، وإنَّما عرف بالمسندي لأنَّه كان أيام الطلب يتتبع الأحاديث المسندة، ولا يرغب في المقاطيع والمراسيل، حدث عنه البخاري، وهو مولاه من فوق. قاله أبو علي الغساني.
          قوله: (كَانَتْ عُكَاظٌ، وَمَجَنَّةُ) بفتح الميم وكسرها وفتح الجيم: هو سوق هجر قال البكري في «معجمه»: على أميال يسيرة من مكَّة بناحية مر الظهران، وكان سوقه عشرة أيام آخر ذي القعدة، والعشرون قبلها سوق عكاظ، وسوق المجاز هلال ذي الحجة، وحكى القاضي في «المشارق» عن الأزرقي هنا كلام غير ملائم. فليتأمل. وذو المجاز بالجيم والزاي: سوق عند عرفة من أسواق الجاهلية، قاله بعض الشراح. انتهى. وقال ابن الملقِّن في الشرح: في التنبيه الثامن ما لفظه: عكاظ ومجنة بفتح الميم وذو المجاز: أسواق في الجاهلية عند عرفات. انتهى. والذي ذكره القاضي في «المشارق»: أن مجنة سوق هجر بقرب مكَّة معروف، ثمَّ حكى عن الأزرقي: أنَّه بأسفل مكَّة على بريد منها، كان سوقها عشرة أيام آخر ذي القعدة وثمانية أيام من ذي الحجة، وأن عكاظ العشرون الأولى من ذي القعدة، لكنه قال: ثمَّ يخرجون في التاسع إلى عرفة، وهو يوم التروية، وهو سبق قلم، فإن التاسع يوم عرفة، والتروية يوم الثامن.
          قوله: (فَكَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا فِيهِ) أي: اعتقدوا الإثم في حضورها، ويروى: (تأثموا منه)، وهي رواية الكشميهني. /
          تنبيهان: أحدهما: ذكر ابن سعد: أن المؤاخاة بين المهاجرين و (1)الأنصار كانت في أوَّل سنة من الهجرة، ولها سببان: أحدهما: أنهم كانوا في الجاهلية يتوارثون بالحلف، فلما قال النَّبي صلعم : ((لا حلف في الإسلام)) أثبت لهم المؤاخاة لأنَّ الإنسان إذا فطم كما ألفه علل بحبسه. والثاني: أن المهاجرين قدموا المدينة محتاجين إلى المال والمنزل، فنزلوا على الأنصار، فأكدوا هذه المخالطة بالمؤاخاة، ولم يكن بعد بدر مؤاخاة لأنَّهم استغنوا بالغنائم، والمؤاخاة مفاعلة من الأخوة، ومعناها: أن يتعاقد الرجلان عند التناصر والمواساة حتَّى يصيرا كالأخوين نسبًا، وذكر القرطبي: أن النَّبي صلعم آخى بين الصحابة مرتين: مرة بمكَّة قبل الهجرة، ومرة بعدها، قال ابن عبد البَرِّ: والصحيح: أن المؤاخاة في المدينة كانت بعد بنائه المسجد، وكانوا يتوارثون بذلك دون القرابة حتَّى نزل: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}[الأنفال:75]، وقِيلَ: كأنَّ ذلك والمسجد نيف، وقِيلَ: كان بعد قدومه المدينة بخمسة أشهر، وفي «تاريخ ابن أبي خيثمة»: أنَّها كانت في المسجد، وكانوا مائة وخمسون من الأنصار وخمسون من المهاجرين.
          ثانيها: إن قلت: كيف لم ينهه عن الصفرة، وقد جاء النهي عن التزعفر؟ قلت: جوابه من أوجه: أحدها: أنَّه كان يسيرًا، فلم ينكره. الثاني: إنَّ ذلك علق من ثوبها من غير قصده. الثالث: أنَّه كان في أوَّل الإسلام أن من تزوج لبس ثوبًا مصبوغًا لمروره. وقِيلَ: كانت المرأة تكسوه إياه لتعرف أنَّها عروس.


[1] قوله:((و)) ليس في الأصل.