التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب التجارة في البحر

          ░10▒ (باب التِّجَارَةِ فِي البَحْرِ).
          قوله: (وَقَالَ مَطَرٌ: لاَ بَأْسَ بِهِ) قال الكرماني: الظاهر: أنَّه مطر بن الفضل المروزي شيخ البخاري، وقال ابن الملقِّن: هو مطر بن طهمان الورَّاق.
          قوله: (وَمَا ذَكَرَهُ اللهُ فِي القُرْآنِ إِلَّا بِالحَقٍّ) نحو: ابتغاء الفضل، وهو عام للتجارة وغيرها، ومقصوده أنَّ الركوب في البحر لم يُذكر مذمومًا في القرآن لأنَّ الله تعالى جعل تسخير البحر لعباده لابتغاء فضله من نعمه التي عدها، وأراهم في ذلك عظيم قدرته، وسخَّر الرياح باختلافها تحملهم وترددهم، وهذا من عظيم آياته وينبِّههم على شكره عليها بقوله: {وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة:185].
          قوله: (ثمَّ تلا: {وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}[فاطر:12]) هذه التلاوة هكذا في سورة فاطر، وأمَّا في سورة النحل فالتلاوة: {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ}[النحل:14] بتأخير {فِيهِ} عن {مَوَاخِرَ}، وبزيادة الواو في {وَلِتَبْتَغُوا}.
          قوله: (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَمْخَرُ السُّفُنَ الرِّيحُ، وَلاَ تَمْخَرُ الرِّيحَ مِنَ السُّفُنِ إِلَّا الفُلْكُ العِظَامُ) قال القاضي: كذا لهم، يعني: بنصب (السفن)، وعند الأصيلي بضم (السفنُ) ونصب (الريحَ)، وقال بعضهم: صوابه بفتح (السفن) وضم (الريح)، جعل الفعل للريح كأنَّه جعلها المصرفة لها في الإقبال والإدبار، قال القاضي: والصواب ما ضبطه الأصيلي، وهو دليل القرآن إذ جعل الفعل للسفن فقال: {مَوَاخِرَ فِيهِ}[النحل:14]، قال الخليل: مخرت السفينة إذا استقبلت الريح، وقال أبو عبيد وغيره: هو شقُّها للماء، فعلى هذا السفينة فاعلة مرفوعة.
          وقوله: (إلا الفلك العظام) بالرفع والنصب، وقال الجوهري: مخرت السفينة إذا جرت في الماء وصوت الماء، ومنه قوله تعالى: {مَوَاخِرَ}[النحل:14] أي: جواري، وقال الزمخشري: {مَوَاخِرَ} أي: شواق للماء بجريها، وقال الكرماني: قال مجاهد: تمخر السفنُ أي: بالرفع الريحَ أي: بالنصب، / ولا تمخر الريح أي: بالنصب من السفن هو صفة لشيء محذوف، أي: لا تمخر الريح شيء من السفن إلا الفلك العظام، وهو بالرفع بدل من شيء ويجوز فيه النصب.
          ثمَّ قال: فإن قلت: كل السفن مواخر للريح. قال: قلت: أثر الشق في العظام أكثر.
          قوله: (والْفَلَكُ: السَّفِينَةُ الواحد والجمع) ما ذكره هو قول أكثر أهل اللغة كما قال ابن التين، ودليله في القرآن: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ}[يونس:22]، وقال في الآية الأخرى: {فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}[الشعراء:119]، فأجراه مرة على حكم الجمع، ومرة على حكم الإفراد، قال ابن سيده: وسُمِّيت السفينة بذلك لأنَّها تشقق وجه الماء، أي: تقشره، فعيلة بمعنى فاعلة، والجمع: سفان وسفن، وواحد الفلك: فلَك بفتح اللام، مثل: أُسُد وأَسَد، وتذكَّر وتؤنَّث كما قال القزَّاز.