التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب من لم ير رد السلام على الإمام واكتفى بتسليم الصلاة

          قوله: (لَم يَرُدَُّ السَّلَامَ): (يَردَّ): مُضعَّف مجزوم، فالأفصح(1) أن يُقرَأ بالرَّفع، ويجوز عند جماعة أن يُقرَأ بالفتح؛ طلبًا للخفَّة.
          فائدةٌ: أخرج في هذا الباب حديثَ عتبان: (وسلَّمنا حين سلَّم)، وجه مطابقة الترجمة للحديث: أنَّ التسليم المُطلَق يحمل على أقلِّ ما يصدق؛ وذلك تسليمة واحدة، والزَّائد يحتاج إلى دليل مُثبِت غير المُطلَق، قاله ابن المُنَيِّر، انتهى، والذي قاله ابن المُنَيِّر ماشٍ على مذهبه، وهو مذهب مالك(2)، قال ابن قيِّم الجوزيَّة في «الهدي»: (وقد كان النَّبيُّ صلعم يُسلِّم عن يمينه: «السَّلام عليكم ورحمة الله»، وعن يساره كذلك، هكذا كان فعله الرَّاتب الذي رواه عنه خمسةَ عشرَ صحابيًّا) وقد عدَّدهم(3) شيخنا تسعةَ عشرَ، انتهى (منهم: عبد الله بن مسعود، وسعد بن أبي وقَّاص، وسهل بن سعد السَّاعديُّ، ووائل بن حُجْر، وأبو موسى الأشعريُّ، وحذيفة بن اليماني، وعمَّار بن ياسر، وعبد الله بن عمر، وجابر بن سَمُرَة، والبراء بن عازب، وأبو مالك الأشعريُّ، وطلق بن عليٍّ، وأوس بن أوس، وأبو رمثة، وعديُّ بن عَمِيرة، وقد رُوِي عنه [صلعم]: «أنَّه كان يسلِّم تسليمة واحدة تلقاء وجهه»، لكن لم يَثبُت عنه ذلك من وجه صحيح، وأجود ما فيه حديثُ عائشةَ ♦، وهو حديث معلول، على أنَّه ليس صريحًا في الاقتصار على التسليمة الواحدة، وأحاديثهم_ أعني: الذين يقولون بالثنتين_ أصحُّ، وكثيرٌ من أحاديثهم صحيحةٌ، والباقي حِسَانٌ، قال أبو عمر ابن عبد البرِّ: «رُوِي عن النَّبيِّ صلعم: أنَّه كان يسلِّم واحدة، من حديث ابن أبي وقَّاص، وحديث عائشة(4)، وحديث أنس، إلَّا أنَّها معلولة لا يُصحِّحها أهل العلم بالحديث»، ثمَّ ذكر علَّة حديث سعد، ثمَّ علَّة حديث عائشة، ثمَّ علَّة حديث أنس، ثمَّ قال: «فليس(5) مع القائلين بالتسليمة غيرُ عمل أهل المدينة، قالوا: وهو عملٌ قد توارثوه كابرًا عن كابر، ومثله يصحُّ الاحتجاجُ به(6)؛ لأنَّه لا يخفى لوقوعه في كلِّ يوم مرارًا»، وهذه طريقة قد خالفهم فيها سائر العلماء والصَّواب معهم...) إلى أن قال: (والسُّنَّة تحكم بين النَّاس، لا عملُ أحد بعد رسول الله صلعم) انتهى مُلَخَّصًا، والله أعلم، [قال شيخنا الشَّارح: (وقد رُوِي عنه صلعم أنَّه سلَّم ثلاثًا، قال: وهي معلولة)، انتهى](7).


[1] في (ب): (والأصح).
[2] (وهو مذهب مالك): سقط من (ج)، وانظر «الذخيرة» ░2/200▒.
[3] في (ج): (عدَّهم).
[4] زيد في (ب): (♦)، وحديثها أخرجه الترمذيُّ ░296▒، كما تقدَّم قبلُ، وتقدَّم ما قاله فيه الترمذيُّ، وأعلَّه ابن عبد البرِّ بانفراد زهير بن محمد برفعه مع ضعفه.
[5] في (ب) و(ج): (وليس).
[6] زيد في (ب): (قالوا)، وزيد في هامش (أ) و(ج): (لعلَّه سقط: قالوا).
[7] ما بين معقوفين سقط من(ج)، «التوضيح» ░7/290▒ ░837▒.