التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب إمامة المفتون والمبتدع

          قوله: (بَابُ إِمَامَةِ الْمَفْتُونِ وَالْمُبْتَدِعِ): ذكر فيه أنَّه ╕ قال لأبي ذرٍّ: «اسمع وأَطِعْ، ولو(1) لحبشيٍّ...» الحديث، إن قلت: ما وجه مطابقة هذا الحديث للترجمة؟ وهل وصفَ الإمامَ فيه إلَّا بكونه حبشيًّا، فأين هذا من كونه مفتونًا مبتدعًا؟ والجواب ما قاله ابن المُنَيِّر، قال: (قلت: السياق يُرشِد إلى إيجاب طاعته، وإن كان أبعد الناس عن أن يُطَاع؛ لأنَّ هذه الصِّفات إنَّما تُوجَد في أعجميٍّ حديثِ العهدِ دَخَلَ(2) في الإسلام، ومثل(3) هذا في الغالب لا يخلو مِن نقصٍ في دينه لو لم يكن إلَّا الجهل اللَّازم لأمثاله، وما يخلو الجاهل إلى هذا الحدِّ مِن ارتكاب البدعة، واقتحام الفتنة، والله أعلم، ولو لم يكن إلَّا افْتِئَاتُه(4) بنفسه حتَّى تقدَّمَ على الإمامة وليس مِن أهلها؛ من الحسب، والنَّسب، والعلم؛ فتأمَّل ذلك)، انتهى، ويحتمل أن يكون أَخَذَه البخاريُّ من عدم التفصيل، فإنَّه يُنَزَّل منزلة(5) العموم في المقال، والله أعلم.
          فائدة: تُكرَه الصَّلاة خلف المبتدِع الذي لا يُكفَّر ببدعته، وأمَّا الذي يُكفَّر ببدعته؛ فلا يجوز الاقتداء به، وعدَّ صاحب «الإفصاح» مَن يقول بخلق القرآن أو ينفي شيئًا مِن صفات الله كافرًا، وكذا جعل الشيخ أبو حامد ومتابِعُوه المعتزلةَ ممَّن يُكفَّر، والخوارج لا يُكفَّرون، ويُحكَى القولُ بتكفير مَن يقول بخلق القرآن عن الشَّافعيِّ، وأَطلقَ القفَّالُ وكثيرون من أصحاب الشَّافعيِّ القولَ بجواز الاقتداء بأهل البدع، وأنَّهم لا يُكفَّرون، قال صاحب «العدَّة»: وهو ظاهر مذهب الشَّافعيِّ، قال النَّوويُّ: هذا الذي قاله القفَّال وصاحب «العدَّة» هو الصحيح... إلى آخر كلامه، والله أعلم.
          قوله: (وَقَالَ الْحَسَنُ): هو ابن أبي الحسن البصريُّ، العالمُ المشهورُ.


[1] (ولو): سقط من (ب).
[2] في (ج): (ودخل)، وفي مصدره: (دخيل).
[3] في (ب): (وقيل).
[4] يعني: استبداده برأي نفسه، في (ب) و(ج): (افتتانه)، وفي مصدره: (افتنانه).
[5] (منزلة): سقط من (ب).