التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: فهل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب

          7437- 7438- قوله: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرَّحْمَن بن عوف الزُّهْرِيُّ، و(ابْنُ شِهَابٍ): هو مُحَمَّد بن مسلم الزُّهْرِيُّ، تَقَدَّمَ مِرارًا.
          قوله: (هَلْ تُضَارُّونَ) في الموضعين: تَقَدَّمَ الكلام عليها [خ¦4581]، قال في «المطالع»: («لا تُضارُّون في رؤيته»، وأصله: تُضارِرُون، ولا تُضارَرُون، من الضُّرِّ؛ أي: لا يُضَرُّ بكم أحدٌ، ولا تَضرُّوا أحدًا بمنازعةٍ ولا مجادلةٍ ولا مضايقةٍ؛ لأنَّ ذلك كلَّه إنَّما يُتَصوَّر في مَرْئِيٍّ مخلوقٍ، أو قدرٍ مقدورٍ، أو ذاتٍ مُكَيَّفٍ، والله سبحانه وتعالى منزَّهٌ عن ذلك، ومَن خفَّف؛ فهو من الضَّير، وهما بمعنًى؛ أي: لا يخالف بعضُكم بعضًا فيكذِّبُه وينازِعُه فيضرَّه بذلك، يُقال: ضَرَّه وضارَّه يَضِيره، وقيل: معناه لا تضايقون، والمضارَّة: المضايقة، وهو بمعنى: تزاحمون، كما جاء «تضامُّون»، وقيل: لا يُحجَب بعضُكم عن رؤيته فيُضَرَّ به)، انتهى، ولفظ «النهاية»: (يُروى بالتشديد والتخفيف؛ فالتشديد بمعنى: لا تتخالفون(1) ولا تتجادلون في صحَّة النَّظر إليه؛ لوضوحِه وظهورِه، يُقال: ضارَّه يُضارُّه؛ مثل ضرَّه يَضُرُّه، وقال الجوهريُّ: يُقال: أضرَّني فلانٌ؛ إذا دنا منِّي دُنُوًّا شديدًا، وأراد بالمضارَّة: الاجتماع والازدحام عند النَّظر إليه، وأمَّا التخفيف؛ فهو من الضَّير؛ لغةٌ في الضُّرِّ، والمعنى فيه كالأوَّل)، انتهى، والله أعلم.
          قوله: (فَلْيَتَّبِعْهُ): يُقال بالتشديد وبالتخفيف، وكذا (فَيَتَّبِعُ)، وكذا الذي بعدها، وقد تَقَدَّمَ، وكذا تَقَدَّمَ الكلام على (الطَّوَاغِيت) [خ¦6573].
          قوله: (فِيهَا شَافِعُوهَا، أَوْ مُنَافِقُوهَا): الصواب من أحد الشَّكَّين: (منافقوها)؛ وذلك لأنَّ في «مسلم»: (منافقوها)؛ بغير شكٍّ، والشَّاكُّ هو إبراهيم بن سعدٍ المذكورُ في سند الحديث، كما صَرَّحَ به هنا.
          قوله: (فِيهَا(2) مُنَافِقُوهَا): قال العلماء: إنَّما بقيَ المنافقون في زمرة المؤمنين؛ لأنَّهم في الدُّنيا كانوا متستِّرين بهم، فتستَّروا بهم أيضًا في الآخرة، وسلكوا مسلكهم، ودخلوا في جملتهم، واتَّبعوهم ومَشَوا في نورهم حتَّى ضُرِبَ بينَهُم بِسُورٍ له بابٌ باطنُهُ فيه الرَّحمةُ وظاهرُهُ مِنْ قِبَلِهِ العذابُ، وذهب عنهم نورُ المؤمنين، قال بعض العلماء: هؤلاء هم المطرودون عن الحوض الذين يُقال لهم: سُحْقًا سُحقًا، والله أعلم، قاله النَّوويُّ في «شرح مسلم».
          قوله: (فَيَأْتِيهِمُ اللهُ فِي صُورَتِهِ): تَقَدَّمَ الكلام عليه في (الرَّقائق) في أواخرها [خ¦6573]، وكذا تَقَدَّمَ (يَتْبَعُونَهُ(3)): أنَّه بالتشديد والتخفيف.
          قوله: (وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ): (يُضرَب): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، و(الصِّراطُ): مَرْفُوعٌ نائبٌ مَنَابَ الفاعل، وتَقَدَّمَ الكلام على: (ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ) [خ¦806].
          قوله: (وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا الرُّسُلُ، وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ): وقد تَقَدَّمَ في (الرَّقائق) [خ¦6574]: أنَّ في «التِّرْمِذيِّ» عن المغيرةِ بن شعبةَ عنه ◙ قال: «شعار المؤمنين على الصِّراط: ربِّ سلِّم، ربِّ سلِّم»، وقال: غريبٌ، وما في هذا «الصحيح» هو في «مسلم» أيضًا، وفي «مسلم»: «ونبيُّكم قائمٌ على الصراط يقول: ربِّ سلِّم سلِّم»، وفيه أيضًا ما ظاهره(4) أنِّ المؤمنين يقولون ذلك أيضًا، فعلى هذا؛ أنَّ ذلك في حالَين؛ لقوله: «ولا يتكلَّم يومئذٍ إلَّا الرُّسُلُ»، والله أعلم، وقد تَقَدَّمَ ذلك في (الرَّقائق) [خ¦6574].
          قوله: (مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ): هو مثل تثنية (سعد)؛ نباتٌ ذو شوكٍ من أفضل مراعي الإبل، يُضرَب به المَثَلُ، وقد قال القاضي أبو بكر ابن العربيِّ المالكيُّ: (إنَّ الشَّهوات التي كانت تجذبه في الدنيا تُمثَّل له كلاليبَ على الصراط، تجذبه إليها).
          قوله: (تَخْطَفُ النَّاسَ): هو بفتح الطاء، هذه لغة القرآن، ويجوز كسرها؛ لغة أخرى.
          قوله: (فِيهِمُ(5) المُوبَقُ بِعَمَلِهِ، أَوِ المُوثَقُ بِعَمَلِهِ): الأولى بالموحَّدة المفتوحة، اسم مفعولٍ، والثانية مثلُها، إلَّا أنَّها بالثاء المُثَلَّثَة، و(الموبَق)؛ بالموحَّدة: المُهلَك، يُقال: وَبَـِقَ يَبِق، ووَبِق يَوبَق؛ إذا هلك، وأوبقه غيرُه، فهو مُوبَق، وفي «مسلم»: (المُوبَقُ)؛ بالموحَّدة(6)، ومعنى الثَّانية معروفٌ، والله أعلم.
          قوله: (وَمِنْهُمُ المُخَرْدَلُ، أَوِ المُجَازَى): (المُخردَل): بالخاء المُعْجَمَة، اسمُ مفعولٍ؛ أي: المُقَطَّع، [قال ابن قرقول]: (وهو بالجيم للأصيليِّ في «كتاب الرِّقاق»، وللكافَّة بالخاء المُعْجَمَة، وكذا رواه السِّجْزيُّ عن مسلم، وهو الصواب، من خَرْدَلتُ اللحمَ وجَرْدَلتُه(7) أيضًا؛ إذا قطَّعتَه قِطَعًا صِغارًا، ومعناه: تقطيعهم بالكلاليب، وقيل: بل المعنى: أنَّها تقطعهم عن لحوقهم بالناجين، وهذا بعيدٌ، وقيل: المخردل: المصروع المطروح، قاله الخليل، والأوَّل أظهرُ وأعرفُ، ولقوله في الكلاليب: «تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ»، وفي الحديث الآخَرِ: «فناجٍ مُسَلَّمٌ ومَخْدُوشٌ» [خ¦7439]، وأمَّا جَرْدَلتُ اللحمَ؛ بالجيم؛ فقيل: هو الإشراف على السقوط، وحكى ابن الصابونيِّ عن الأصيليِّ: مُجَزْذَل؛ بالجيم والذال بعد الزاي، وهو وَهَمٌ، ليس ذلك في كتاب الأصيليِّ، ورواه بقيَّة رواة «مسلم» سوى السِّجْزيِّ: «والمجازى»؛ من الجزاء، والروايةُ الأولى أصحُّ؛ أعني: رواية السِّجْزيِّ، وكذلك الخلاف أيضًا في «البُخاريِّ» في «كتاب الصَّلاة» [خ¦806]: «يجردل» أو «يخردل»؛ بالجيم لأبي أحمد، وبالخاء المُعْجَمَة فقط، وجاء في «البُخاريِّ» في «كتاب التوحيد»: «أو المجازى»؛ على الشكِّ)، انتهى، والله أعلم.
          قوله: (وَيَعْرِفُونَهُمْ(8) بِآثَارِ(9) السُّجُودِ): تَقَدَّمَ أن المرادَ الأعضاءُ السبعةُ التي يسجد عليها، وتَقَدَّمَ كلام القاضي عياض وردُّه في (كتاب الصَّلاة) [خ¦806]، وكذا (امْتُحِشُوا): تَقَدَّمَ، وكذا (الحِبَّةُ) [خ¦806]، وكذا (حَمِيلِ السَّيْلِ) [خ¦22]، وكذا (الرَّجُل)؛ وأنَّه جهينة، من جهينة، وقال السُّهَيليُّ: هنَّاد، ولعلَّ أحدَهما لقبٌ، والآخرَ الاسمُ [خ¦806]، وكذا تَقَدَّمَ (قَشَبَنِي رِيحُهَا) ما معناه، وكذا (ذَكَاهَا(10))، وأنَّه بالقصر والمدِّ؛ لُغَتان؛ أي: لهبها، وكذا (عَسَـِيْتَ)، وأنَّها بفتح السين وكسرها؛ لُغَتان [خ¦806]، وهما قراءتان.
          قوله: (إِنْ أُعْطِيتَ): هو مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وفي آخره تاء الخطاب المفتوحة، وكذا الثانية، وكذا الثالثة.
          قوله: (انْفَهَقَتْ(11) لَهُ الجَنَّةُ): هو بهمزة وصلٍ _فإنِ ابتدأتَ بها؛ كسرتها_ ثُمَّ نون، ثُمَّ فاء، ثُمَّ هاء، ثُمَّ قاف، مفتوحات، ثُمَّ تاء التأنيث الساكنة؛ أي: انفتحت واتَّسعت. /
          قوله: (مَا أَغْدَرَكَ!): أي: ما أنقضك للعهد والميثاق!
          قوله: (مِنَ الحَبْرَةِ وَالسُّرُورِ): (الحَبْرة): بفتح الحاء المُهْمَلَة، وإسكان المُوَحَّدة، قال ابن قُرقُول: (ورواه البُخاريُّ: «من الحَبْرَة والسرور»، والحَبْرة: المسرَّة والنَّعْمَة، والحَبْر والحِبَار: الأَثَر، ومنه سُمِّيَت المسرَّةُ حَبرةً؛ لظهور أثرها على صاحبها)، انتهى.
          قوله: (أَعْطَيْتَ): هو بفتح الهمزة، مَبْنيٌّ للفاعل، والتاء في آخره مفتوحة للخطاب.
          قوله: (حَتَّى يَضْحَكَ اللهُ مِنْهُ): قال ابن قُرقُول: (هذا وأمثالُه من الأحاديث طريقُها الإيمانُ بها من غير كيفٍ ولا تأويلٍ، وتسليمُها إلى عالِمها)، انتهى، وفي هذه المسألة قولان شهيران: طريقة السَّلَف هو ما ذكره ابن قُرقُول، وطريقة الخَلَف: تأويلُها بما يليق بجلالِ الله وعَظَمتِه، والله أعلم، وإذا قُلنا بالتأويل؛ فالمراد بـ (الضحك) _والله أعلم_ الرِّضا.
          قوله: (حَتَّى إِنَّ اللهَ لَيُذَكِّرُهُ): اللام للتأكيد، و(يُذَكِّرُه): مَرْفُوعٌ، وهو الخبر، و(إنَّ) بعد (حتَّى) مكسورةُ الهمزة.
          قوله: (الأَمَانِيُّ): مشدَّد الآخر، ويجوز تخفيفه، وقد قَدَّمْتُ أنَّ الكلمةَ إذا كانت مُشَدَّدةً؛ فَلَكَ في جمعِها التشديدُ والتخفيفُ؛ كأُثْفِيَّة وأَثَافي، وسُرِّيَّة وسَرَاري، وغير ذلك [خ¦1384].
          قوله: (وَمِثْلُهُ مَعَهُ): (مثلُه): مَرْفُوعٌ، وهو مبتدأ.
          قوله: (قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ»): تَقَدَّمَ في (الصَّلاة) أنَّ في «مسند أحمد» و«عبد ابن حُمَيد» على العكس، وهو أنَّ أبا هريرة حفظ «وعشرة أمثاله»، وأنَّ أبا سعيد حفظ «ومثله معه»، وقد تَقَدَّمَ في (باب فضل السجود) [خ¦806].


[1] في (أ): (تخالفون)، والمثبت من مصدره.
[2] كذا في (أ) على حذف الشكِّ.
[3] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة» و(ق): (فَيَتْبَعُونَهُ).
[4] في (أ): (ظاهر)، ولعلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.
[5] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة» و(ق): (فَمِنْهُمُ).
[6] كذا مستدركًا في هامش (أ)، ورواية مسلم ░182▒ ░299▒: (المؤمن بقي).
[7] في (أ): (من جردلت اللحم وخردلته)، والمثبت من مصدره.
[8] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة» و(ق): (فَيَعْرِفُونَهُمْ)، ثمَّ زيد فيهما: (في النار).
[9] كذا في (أ)، وهي رواية أبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ، ورواية «اليونينيَّة» و(ق): (بأثر).
[10] كذا في (أ)، وهي رواية أبي ذرٍّ، ورواية «اليونينيَّة» و(ق) بعد الإصلاح: (ذكاؤها).
[11] في (أ): (انفقهت)، ولعلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.