التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا أشار الإمام بالصلح فأبى حكم عليه بالحكم البين

          ░12▒ (بَابُ: إِذَا أَشَارَ الإِمَامُ بِالصُّلْحِ فَأَبَى، حَكَمَ عَلَيْهِ بِالحُكْمِ البَيِّنِ)
          2708- ذكر فيه حديثَ الزُّبير فِي شِرَاجِ الحَرَّةِ وقد سلف في الشَّرب [خ¦2359]، وزعم الدَّاوُديُّ أنَّه ليس فيه ما بَوَّب عليه، إنَّما فيه حضُّ الزُّبير على فعل المعروف، وأمَّا الْمُهَلَّبُ فصوَّبها فقال: التَّرجمة صحيحةٌ لأنَّه حضَّ أوَّلًا الزُّبير على فعل المعروف، فلمَّا بدا مِنَ الأنصاريِّ ما بدا استوعى للزُّبير حقَّه ولم يحمله غضبُه على أكثر مِنْ أنَّه استوعى له حقَّه، ونزل القرآن بتصديقه وهو قوله _تعالى_: {فَلَا وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}الآية [النساء:65] أي لا يؤمنون إيمانًا كاملًا، لأنَّه لا يخرج مِنَ الإيمان بخطرةٍ أخطرها الشَّيطانُ ونزغ بها.
          وفيه مِنَ الفقه أنَّه لا ينبغي ترك الاقتداء به في غضبه ورضاه وجميع أحواله، وأنْ يكظمَ المؤمن غيظَه ويملكَ نفسه عند غضبه ولا يحملَها على التَّعدِّي والجَور، بل يعفو ويصفح.
          ومعنى: أَحْفَظَه الأَنْصَارِيُّ يعني أغضبه بحاءٍ مهملةٍ.
          وقوله: (فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صلعم) فالمغضَب ربَّما احمرَّت وجنتاه، أو اصفرَّ وجهه.
          ومعنى: (اسْتَوْعَى) استقصى له حقَّه.
          وقوله: (فِي صَرِيحِ الحُكْمِ) أي حقيقته.
          وقوله: (وَاللهِ مَا أَحْسِبُ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ إِلَّا فِي ذَلِكَ: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} [النساء:65]) وكان الزُّبير ابن صفيَّةَ عمَّةِ رسول الله _صلعم_ مات سنة ستٍّ وثلاثين شهيدًا يوم الجمل، وهو حواريُّ رسول الله _صلعم_ وابن عمَّته، وأوَّل مَنْ سلَّ سيفًا في سبيل الله، وراويه عن الزُّبير عُروة بن الزُّبير، أبو عبد الله الفقيهُ العالم الثَّبتُ المأمونُ كثيرُ الحديث، كان يصوم الدَّهر، مات وهو صائمٌ سنة ثلاثٍ أو أربعٍ وتسعين، رُدَّ وهو ابن ستَّ عشرةَ مِنْ خروجه إلى العراق، فلم يَدخل في شيءٍ مِنَ الحروب حتَّى مات، قال ابنه هشامٌ: كان يعرضنا الحديث _يعني بَنيه_ فكان يَعجب مِنْ حفظي، وما كان يعلِّمنا منه حرفًا مِنْ ألفي حرفٍ مِنْ حديثه، وكان يتألَّفُ النَّاس على حديثه، وأصَابت رجله الأَكَلة فسقطت في مجلس الوليد مِنْ حدِّ الرُّكبة، فأخرجها لِمَنْ حسمها أي: قطع عنها الدَّم بالكيِّ، وما شعر الوليد وما ترك حزبه تلك اللَّيلة، أتاه أهل الحديث معتقدين على غير ما كانوا يأتونه وذكروا عُذرهم له، فقال: ما للفراغ يريدونني، ولمَّا قُتِل أخوه عبد الله استُقصيت أموالهم فمضى إلى عبد الملك وقال له: الآن أيقنت بالهلاك فردَّها إليه، وهو أحد المشيخة السَّبعة بالمدينة وكان دعَّاءً، مات له ولدٌ فكان يقول في دعائه: كانوا أربعةً فأخذتَ واحدًا وتركت ثلاثةً، وكانوا أربعًا فأخذتَ واحدةً وأبقيت ثلاثًا، يعني: يديه ورجليه. /