التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول الله تعالى {أن يصالحا بينهما صلحًا والصلح خير}

          ░4▒ (بَابُ: قَوْلِ اللهِ _تَعَالَى_: {أَنْ يَصَّالَحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128])
          2694- ذكر فيه حديثَ عائشةَ: ({وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} قَالَتْ: هُوَ الرَّجُلُ يَرَى مِنِ امْرَأَتِهِ مَا لاَ يُعْجِبُهُ، كِبَرًا أَوْ غَيْرَهُفَيُرِيدُ فِرَاقَهَا، فَتَقُولُ: أَمْسِكْنِي وَاقْسِمْ لِي مَا شِئْتَ، قَالَتْ: فَلاَ بَأْسَ إِذَا تَرَاضَيَا) هذا قول عائشةَ في تفسير الآية، وقال عليٌّ: هي المرأة تكون عند الرَّجل، وهي دميمةٌ أو عجوزٌ تكره مفارقته، فيصطلحا على أن يجيئها يومًا مِنْ ثلاثةٍ أو أربعةٍ، وقيل: نزلت في رافع بن خَديجٍ طلَّق زوجته واحدةً، وتزوَّج شابَّةً، فلمَّا قاربت انقضاءَ العِدَّة قالت: أصالحُك على بعض الأيَّام فراجعَها، ثُمَّ لم تسمح فطلَّقها أخرى ثُمَّ سألتْه ذلك فراجعَها فنزلت هذه الآيةُ، والنُّشوز: أصله الارتفاع، وإذا أساء عِشرتها ومَنَعها نفسه والنَّفقة فهو نشوزٌ، وقال ابن فارسٍ: نَشز بعلُها إذا ضربها وجفاها.
          وقوله: ({وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}) أي مِنَ الفُرقة، حُذِف لعلم السَّامع، وقرأ الكوفيُّون:{أَنْ يُصْلِحَا} [النساء:128] بضمِّ الياء، وقرأ الجَحْدَريُّ: {أَنْ يَصَّلِحَا} والمعنى: يصطلحا، ثُمَّ أُدغم، ولا شكَّ أنَّ الصُّلح في كلِّ شيءٍ خيرٌ مِنَ التَّمادي على الخلاف والشَّحناء والمباغضة الَّتي هي قواعد الشَّرِّ، والصُّلح وإن كان فيه صبرٌ مؤلمٌ فعاقبتُه جميلةٌ، وأمرُّ منه وشرٌّ عاقبةً العداوةُ والبغضاء، وقد قال _◙_ في البغضة إنَّها الحالقة يعني: حالقة الدِّين لا الشَّعر، أراد الشَّارع أن يُطَلِّقَ سَودةَ لِسنٍّ كان بها فأحَسَّتْ منه ذلك، فقالت له: قد وهبتُ يومي لعائشة، ولا حاجة لي بالرِّجال وإنَّما أريد أن أُحْشَر في نسائك، فلم يطلِّقها واصطلحا على ذلك.
          ودلَّ هذا أنَّ ترك التَّسوية بين النِّساء وتفضيل بعضِهن على بعضٍ لا يجوز إلَّا بإذن المفضولة ورضاها، ويدخل في هذا المعنى جميعُ ما يقع عليه بين الرَّجل والمرأة في مالٍ أو وطءٍ أو غير ذلك، وكلُّ ما تَراضيا عليه مِنَ الصُّلح فهو حلالٌ للرَّجل مِنْ زوجته لهذه الآية، ونقل الدَّاوُديُّ عن مالكٍ أنَّها إذا رضيت بالبقاء بترك القَسْم لها أو الإنفاق عليها ثُمَّ سألت العدل كان ذلك لها، والَّذي قاله في «المدوَّنة» ذكره في القسمة لها، وأمَّا النَّفقة فيلزمها ذلك إذا تركته، والفرق أنَّ الغِيرة لا تُملك بخلاف النَّفقة. /