التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الوكالة في الحدود

          ░13▒ (بَابُ: الوَكَالَةِ فِي الحُدُودِ)
          2314- 2315- ذكر فيه حديثَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ: (عَنِ النَّبِيِّ _صلعم_: وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا).
          2316- وحديثَ عُقْبَةَ بْنِ الحَارِثِ، قَالَ: (جِيءَ بِالنُّعَيْمَانِ، أَو بِابْنِ النُّعَيْمَانِ، شَارِبًا فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ _صلعم_ مَنْ كَانَ فِي البَيْتِ فَلْيَضْرِبُوا، قَالَ: كُنْتُ أَنَا فِيمَنْ ضَرَبَهُ، فَضَرَبْنَاهُ بِالنِّعَالِ وَالجَرِيدِ).
          الشَّرح: الحديث الأوَّل سيأتي في النُّذور [خ¦6633]، والمحاربين [خ¦6827]، والصُّلح [خ¦2695]، والشُّروط [خ¦2724]، والأحكام [خ¦7193]، والشَّهادات، والاعتصام [خ¦7278]، وخبر الواحد [خ¦7258]، وله قصَّةٌ.
          وحديث عقبة يأتي في بابه [خ¦6774].
          و(أُنَيْسُ) هو ابن الضَّحَّاك الأسلميُّ، ويقال مكبَّرًا، ذكر له أبو عمر حديثًا، والنُّعَيْمَانُ هو ابنُ عمرو بن رِفاعة النَّجَّاريُّ، يقال له: نعمان، بدريٌّ مَزَّاحٌ، توفِّي في خلافة معاوية.
          وفي حديث أُنَيسٍ مِنَ الفقه: أنَّه يجوز للإمام أن يبعثَ في إنفاذ الحُكْم مَنْ يقوم مقامَه فيه كالوكيل للموكِّل، واختلف العلماء في الوكالة في الحدود والقِصاص، فذهب أبو حَنِيفةَ وأبو يوسف إلى أنَّه لا يجوز قَبولها في ذلك، ولا يقيم الحدَّ والقِصاص حَتَّى يحضُرَ المدَّعي، وهو قول الشَّافعيِّ، وقال ابن أبي ليلى وجماعةٌ: تُقبل الوكالة في ذلك، وقالوا: لا فرق بين الحدود والقِصاص والدُّيون إلَّا أَنْ يدَّعيَ الخصمُ أنَّ صاحبه قد عفا، فيوقَف عن النَّظر فيه حَتَّى يحضر، وقول مَنْ أجاز الوكالة في ذلك تشهد له الأحاديث الثَّابتة.
          فإن قلتَ: حديث ابن النُّعيمان أقيم الحدُّ بحضرته. قلتُ: معناه مُتَّحِدٌ لأنَّه كلَّه عن أمرِه، فتارةً أرسلَ وتارةً فُعِلَ بحضرته؛ لأنَّه لا يتولَّاه بنفسه، ويجيء على مذهب مالكٍ أنَّ الحدَّ يقام على المُقِرِّ دون حضور المدَّعي، خلافَ قولِ أبي حَنِيفةَ والشَّافعيِّ، لأنَّه حقٌّ قد وجب عليه، وليس دعواه على المدَّعي بما يُسقط الحدَّ ممَّا يجب أن يُلتفت إليه بمجرَّد دعواه، إلَّا أنْ يُقيم بَيِّنَةً على ما ادَّعى مِنْ ذلك، ففيه جواز استنابة الحاكم في بعض القضايا مَنْ يحكُمُ فيها كما أسلفناه مع تمكُّنِه مِنْ مباشرتها، وسيأتي واضحًا في الصُّلح.
          وفيه إقامةُ الحدود والضَّربُ بالنِّعال والجريد كان في زمن رَسُول الله _صلعم_ ثم رتَّبَهُ عمر ثمانين، وفيه أنَّ حدَّ الخمر لا يُسْتَأْنَى به الإفاقةُ كحدِّ الحامل لوضع حَمْلِها.