التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الوكالة في الصرف والميزان

          ░3▒ (بَابُ: الوَكَالَةِ فِي الصَّرْفِ وَالمِيزَانِ
          وَقَدْ وَكَّلَ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ فِي الصَّرْفِ).
          2302- 2303- ثم ساق حديثَ أبي سعيدٍ وأبي هريرة السَّالفَ في باب: إذا أراد بيعَ تمرٍ بتمرٍ خيرٍ منه [خ¦2201]، وفي آخره: (وَقَالَ فِي المِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ).
          وما ترجم عليه واضحٌ، وبَيعُ الطَّعام يدًا بيدٍ مثلُ الصَّرف سواءً، وهو شبيهه في المعنى؛ ولذلك ترجم له بذلك، وإنَّما صحَّت الوكالة في هذا الحديث؛ لقوله _◙_ لعامِلِ خيبر: (بِعِ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ) بعد أن كان باع على غير السُّنَّة، فلو لم يَجُزِ بيع الوكيل والنَّاظر في المال لَعَرَّفَه بذلك وأَعْلَمَهُ أنَّ بيعَه مردودٌ وإن وقع على السُّنَّة، فلمَّا لم ينهه _◙_ إلَّا عن الرِّبا الَّذي واقَعَه في بيعه الصَّاع بالصَّاعين، دلَّ ذلك أنَّه إذا باع على السُّنَّة لا مانع منه.
          قال ابن المنذِر: أجمع كلُّ مَنْ نحفظ عنه مِنْ أهل العلم أنَّ الوكالة في الصَّرف جائزةٌ، فلو وكَّل رجلٌ رجلًا يصرف له دراهم، ووكَّل آخر يصرف له دنانير، فالتقيا وتصارفا صرفًا جائزًا، أنَّه جائزٌ وإن لم يحضر الموكِّلان أو أحدُهما، وكذلك إذا وكَّل رجلٌ لرجلين يصرفان دراهم فليس لأحدهما أن يصرفَ ذلك دون صاحبه، فإنْ قام أحدهما عن المجلس الَّذي تصارفا فيه قبل تمام الصَّرف انتقض الصَّرفُ؛ للحديث السَّالف: ((الذَّهب بالفضَّة ربًا إلَّا هاءَ وهاءَ)).
          وقال أصحاب الرَّأي: إن قام أحدُهما قبل أن يقبضَ انتقض حصَّةُ الَّذي ذهب، وحصَّةُ الباقي جائزةٌ، وقال ابنُ المنذِر: لم يجعل الموكِّل إلى أحدهما شيئًا دون الآخر، ولهذا أصلٌ في كتاب الله، قال _تعالى_: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا}الآية[النساء:35]، ولا يجوز لأحدٍ مِنَ الحَكَمين الأمرُ إلَّا مع صاحبه.
          وقوله: (فِي المِيزَانِ مِثْلَ ذَلِكَ) يعني أنَّ الموزونات حكمُها في الرَّبا حكمُ المكيلات، وهذا عندَ أهل الحجاز في المطعومات الَّتِي يجري فيها الكيل والوزن، والكُوفِيُّون يجعلون علَّةَ الرِّبا الكيلَ والوزنَ فيه وفي غيره؛ لقوله في الذَّهب والوَرِق: ((وزنًا بوزن)) وقولِه في الطَّعام في حديث عبَّادٍ: ((مُدْي بمُدْي، وكَيل بكَيل))، وقال الدَّاوُدِيُّ: يعني أنَّه لا يجوز التَّمر بالتَّمر إلَّا وزنًا بوزن، أو كيلًا بكيل، وليس بشيءٍ؛ لأنَّ التَّمر لا يوزن، وإنَّما هو فيما حكمه أن يوزن، كما سلف.