التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا وكل رجل أن يعطي شيئًا ولم يبين كم يعطي

          ░8▒ (بَابُ إِذَا وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يُعْطِي شَيْئًا وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ يُعْطِي، فَأَعْطَى عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ)
          2309- ذكر فيه حديثَ ابن جُرَيْجٍ: (عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِهِ، يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ لَمْ يُبَلِّغْهُ كُلُّهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ _صلعم_ فِي سَفَرٍ، وَكُنْتُ عَلَى جَمَلٍ ثَفَالٍ...) فذكر بيع الجمل، وقد سلف [خ¦2097].
          وقوله: (كُلُّهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ) كذا في نسخ البخاريِّ، وفي الإسماعيليِّ: لم يبلغه كلُّ رجلٍ منهم عن جابر، وقال: هذا لفظ حديث حَرْمَلة عن ابن وَهْبٍ إلى ابن جُرَيْجٍ، وعند أبي نُعيمٍ: لم يبلغهم كلُّهم إلَّا رجلٌ واحدٌ عن جابرٍ، وكذا في «أطراف» أبي مسعودٍ، وتَبِعَه المِزِّي، وبِخطِّ الدِّمْياطِيِّ.
          (لَمْ يُبَلِّغْهُ) بضمِّ أوَّله وكسر ثالثه مشدَّدًا، وقال ابنُ التِّيْنِ: معناه أنَّ بعضَهم بينه وبين جابرٍ غيره، ثُمَّ ذكر أنَّ في روايةٍ: <وكل>. بدل: (رجلٍ).
          والثَّـِفال بفتح الثَّاء المثلَّثة بطيءُ السَّير، وبكسر الثَّاء جِلدٌ أو كِساءٌ يوضَع تحت الرَّحى يقع عليه الدَّقيق، وقال ابنُ التِّيْنِ: وصُوِّب كسرُ الثَّاء هنا، ذكره ابن فارسٍ.
          وقوله: (بَلْ هُو لَكَ يَا رَسُولَ اللهِ) أي بغير ثمنٍ، فقال: (بَلْ بِعْنِيهِ) فيه ردُّ العطيَّة.
          وقولُه (قَدْ أَخَذْتُهُ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ) فيه ابتداءُ المشتري بِذِكْرِ الثَّمن، كذا هو بِخطِّ الدِّمْياطِيِّ، وذكره ابنُ التِّيْنِ بلفظ: ((بأربع الدَّنانير)) قال الدَّاوُدِيُّ: سقط التَّاء لمَّا دخلت الألف واللَّام، وذَلِكَ فيما دون العشرة، ثم قال: وهذا قولٌ لم يوافقه أحد عليه.
          وقوله: (وَلَكَ ظَهْرُهُ إِلَى المَدِينَةِ) قال مالكٌ: إذا كان على قُربِ مثلِ تلك المسافة، وإن كان روي عنه كراهة ذلك، ولا يجوز فيما بَعُدَ عنه، وقال قومٌ: ذلك جائز وإن بَعُدَ، وقالت فرقة: لا يجوز ذلك وإن قَرُبَ.
          وقوله في آخره: (فَلَمْ يَكُنِ القِيرَاطُ يُفَارِقُ قِرَابَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) هو بكسر القاف، وعدم مفارقته لأجل البَرَكَة، واختُلف في مقدار الثَّمن على رواياتٍ، وذَلِكَ لا يوهِن الحديثَ لإجماعهم على البيع وشَرْطِ ظهرِه.
          وفيه ردٌّ على مَنْ يقول: تفارُقُ عقد البيع يُفسد البيع، قال ابن بَطَّالٍ: والمأمور بالصَّدقة إذا أَعطى ما يتعارفه النَّاس، ويصلُح للمُعطَى، ولا يخرج عن حال المعطِي جاز ونَفَذَ، فإن أعطى أكثر ممَّا يتعارف النَّاس تعلَّقَ ذلك برضا صاحب المال، فإنْ أجاز ذلك وإلَّا رجع عليه بمقدار ذلك، والدَّليل على ذلك أنَّه لو أمره أن يعطيَه قَفيزًا فأعطاه قَفيزين ضمن الزِّيادة بإجماعٍ، فدلَّ أنَّ المتعارَف يقوم مَقام الشَّيء الْمُعَيَّن.
          وهذا الحديث كما قال المهلَّب: يُبَيِّنُ أنَّ مَنْ روى الاشتراط في حديث جابرٍ أنَّ معناه أنَّه _◙_ شرط له ذلك شرْطَ تفضُّلٍ، لأنَّ القصَّة كلَّها جرت مِنْه على جهة التَّفضُّلِ والرِّفقِ بجابرٍ، لأنَّه وهبه الجملَ بعد أن أعطاه ثمنَه وزاده، وجابرٌ قال أيضًا حين سأله بيعَه: (هُوَ لَكَ يا رَسُول الله) أي بلا ثمنٍ كما سلف، وسيأتي إيضاح ذلك بمذاهب العلماء في الشُّروط إن شاء الله تعالى.
          وفيه بركته ◙.
          وقوله في كتاب الصُّلح: وقال عطاءٌ وغيره: لك ظهرُه. هو دالٌّ على أنَّ هذِه اللَّفظة محقَّقةٌ عن عطاءٍ وغيرِه.