التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا وهب شيئًا لوكيل أو شفيع قوم جاز

          ░7▒ (بَابُ: إِذَا وَهَبَ شَيْئًا لِوَكِيلٍ أَو شَفِيعِ قَوْمٍ جَازَ
          لِقَوْلِهِ _◙_ لِوَفْدِ هَوَازِنَ حِينَ سَأَلُوهُ المَغَانِمَ، فَقَالَ _◙_: نَصِيبِي لَكُمْ).
          2307- 2308- ثم ساقه مِنْ حديث مروانَ بن الحكم ومِسْوَر بن مَخْرَمة.
          ولأبي داود مِنْ حديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه في هذِه القصَّة: فقال _◙_: ((رُدُّوا عليهم نساءَهم وأبناءَهم فمَنْ أمسكَ شيئًا مِنْ هذا الفيءِ فإنَّ له به علينا ستَّ فرائض))، ثم دنا رسول الله _صلعم_ مِنْ بعيرٍ فأخذ وبرةً مِنْ سنامه، ثُمَّ قال: ((يا أيُّها النَّاس إنَّه ليس لي مِنْ هذا الفيء شيءٌ ولا هذا _ورفع إصبعه_ إلَّا الخُمُس، والخُمُس مردودٌ عليكم، فأدُّوا الخيطَ والمِخْيَط))، فقام رجلٌ في يده كُبَّةٌ مِنْ شعرٍ فقال: أخذتُ هذِه لأصلح بَرْذَعةً لي، فقال رَسُول الله _صلعم_: ((أمَّا ما كانَ لي ولبني عبد المطَّلب فهو لك)) فقال: أمَا إذْ بلَغت ما أرى فلا إربَ لي فيها، ونبَذَها.
          إذا تقرَّر ذلك؛ فالوَفْدُ القومُ يفِدون.
          وفيه جوازُ سبي العرب واسترقاقِهم كالعجم، وفيه قولٌ للشَّافعيِّ، والأفضل عِتقُهم للرَّحِم ومراعاتها، كذا فعله عمر في خلافته حين ملك المرتدِّين، وهو على وجه الاستحباب.
          ومعنى (اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ) انتظرتُهم، قال الدَّاوُدِيُّ: وإنَّما انتظَرهم بشيءٍ أُوجِب لأصحابه، لأنَّ ترْكَ ما لم يُقبض أهونُ مِنْ ترك ما قُبِضَ، واستدلَّ بعضُهم به أنَّ الغنيمة إنَّما تُملك بالقسمة، وكذا الشَّافعيُّ وأبو حَنِيفةَ إنَّما تُملك بها.
          وقوله: (قَفَلَ) رجَع، ولمَّا قَسَم _صلعم_ غنائمَ حُنينٍ بالجِعِرَّانة لخمسِ ليالٍ خلوْنَ مِنْ ذي القَعدة سنة ثمانٍ، وكان قدَّمَ سبيَ هوازِن إلى الجِعِرَّانة، وأخَّر القسمة رجاءَ أن يُسلموا ويرجعوا إليه، وكانوا ستَّة آلافٍ مِنَ الذَّراريِّ والنِّساء، ومِنَ الإبل أربعةً وعشرين ألفًا، ومِنَ الغنم أكثر مِنْ أربعين ألفَ شاةٍ، وأربعة آلاف أُوقيَّةٍ فضَّةً، فقسمها بالجِعِرَّانة، وذكر ابنُ فارسٍ في كتاب «الْمُنْبي في أسماء النَّبي» أنَّ الَّذي أعطاه النَّبِيُّ _صلعم_ في هذا اليوم قُوِّمَ خمس مئة ألفِ ألفٍ.
          وقوله: (حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللهُ عَلَيْنَا) أي يَرُدُّ، مثلُ قوله: ما أفاء الله، فيه القرض إلى أجلٍ مجهول، إذْ لا يَدري متى يُفاء، قال ابنُ التِّيْنِ عن بعضهم: يمكن أن يقاس عليه مَنْ أُكره على بيع ماله في حقِّ غيره.
          ونقل ابن بَطَّالٍ عن بعضهم أنَّ فيه مِنَ الفقه أنَّ بيع المكرَه في الحقِّ جائز، لأنَّه _◙_ حكم بردِّ السَّبي، ثم قال: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ...) إلى آخره، ولم يجعل لهم الخيار في إمساك السَّبيِ أصلًا، وإنَّما خيَّرَهم في أن يعوِّضَهم مِنْ مغانم أُخَرَ، ولم يخيِّرهم في أعيان السَّبي لأنَّه قال لهم هذا بعَد أن ردَّ إليهم أهليهم، وإنَّما خيَّرهم في إحدى الطَّائفتين لئلَّا يُجحِف بالمسلمين في مغانمهم فيُخْلِيَهم منه كلِّه ويحبسَهم ما غنموا وتعبوا فيه.
          وفي دفعه أملاكَ النَّاس عن الرَّقيق ولم يجعل إلى تمليك أعيانهم سبيلًا دلالةٌ على أنَّ للإمام أن يستعين على مصالح المسلمين بأخْذِ بعضِ ما في أيديهم ما لم يُجحف بهم، ويَعِد مَنْ لم تَطِبْ نفسُه ممَّا يؤخذ منه بالعِوض، ألا ترى قوله _◙_: (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَيِّبَ بِذَلِكَ) فأراد أن تطيبَ نفوسُ المسلمين لأهل هوازن بما أخذ منهم مِنَ العيال ليرفع الشَّحناء والعدواة، ولا يُبقي إحنة الغلبة لهم في انتزاع السَّبي مِنْهم في قلوبهم، فيُولِّد ذلك اختلاف الكلمة.
          وفيه أنَّه يجوز للإمام إذا جاءه أهلُ الحرب مسلمين بعد أن غَنِمَ أهليهم وأموالَهم أن يَرُدَّ عليهم عيالَهم إذا رأى ذلك صوابًا، كما فعل رَسُول الله صلعم؛ لأنَّ العيال ألصقُ بنفوس الرِّجال مِنَ المال، والعارُ عليهم فيه أشدُّ.
          وقوله: (حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ) إنَّما هذا تقصٍّ مِنْ رسول الله _صلعم_ عن أصل السَّبي في استطابة النفوسِ رجلًا رجلًا، وليعرِّفَ الحاضرُ منهم الغائبَ.
          والعُرَفَاءُ جمع عَريفٍ، وهو القيِّم / بأمر القبيلة والْمَحِلَّة على أمرِهم، ويُعرِّفُ الأميرَ حالهم، وهو مبالغةٌ في اسم مَنْ يُعرِّف الجند ونحوهم، فَعيل بمعنى فاعل، والعِرافة عَمَلُهُ، وعن أبي نصرٍ: هو النَّقيب الَّذي دُونَ الرَّئيس، وعن غيره: النَّقيبُ فوق العريف، وقيل: هو الأمير.
          وفيه اتخاذُ العرفاء وأنَّهم كانوا ثقاتٍ، وفيه قَبولُ خبر الواحد، واستدلَّ به مَنْ رأى قَبول إقرار الوكيل على موكِّله؛ لأنَّ العرفاء كانوا كالوكلاء فيما أُقيموا له مِنْ أمرهم، فلمَّا سمع رَسُول الله _صلعم_ مقالةَ العُرفاء أنفذَ ذلك ولم يسألهم عمَّا قالوه، وكان في ذلك تحريمُ فُروج السَّبايا على مَنْ كانت حلالًا عليه، وإليه ذهب أبو يوسف ونفرٌ مِنْ أهل العلم، وقال أبو حَنِيفةَ: إقرارُ الوكيل جائزٌ عند الحاكم، ولا يجوز عند غيره، وقال مالكٌ: لا يُقبل إقرارُه ولا إنكاره إلَّا أنْ يَجعل ذلك إليه موكِّلُه، وقال الشَّافعيِّ: لا يُقبل إقراره عليه.