التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الوكالة في الوقف ونفقته وأن يطعم صديقًا له ويأكل بالمعروف

          ░12▒ (بَابُ الوَكَالَةِ فِي الوَقْفِ وَنَفَقَتِهِ، وَأَنْ يُطْعِمَ صَدِيقًا لَهُ وَيَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ)
          2313- ثُمَّ ساق حديثَ سفيان: (عَنْ عَمْرٍو قَالَ فِي صَدَقَةِ عُمَرَ: لَيْسَ عَلَى الوَلِيِّ جُنَاحٌ أَنْ يَأْكُلَ وَيُؤْكِلَ صَدِيقًا لَهُ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا، فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ هُو يَلِي صَدَقَةَ عُمَرَ، يُهْدِي لِلنَّاسٍ مِنْ مَكَّةَ كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ).
          هذا الحديث كرَّره البخاريُّ، وفي روايةٍ: كان يقال للمال: ثَمْغٌ، وكان بجياد، ولأبي داود: فما عُفِيَ عنه مِنْ ثَمَرِه فهو للسَّائل والمحروم، وإن شاءَ وَلِيُّ ثَمْغٍ اشترى مِنْ ثَمَره رقيقًا لِعَمَلِهِ. وفي لفظٍ: هذا ما أوصى به عبدُ الله عمرُ: إنْ حَدَثَ بي حَدَثٌ أنَّ ثَمْغًا وصِرْمَةَ بْنَ الأكوعِ، والعبدَ الَّذي فيه، والمئةَ سهمٍ الَّتِي بخيبر، ورقيقَه الَّذي فيه، والمئةَ الَّتِي أطعمه رَسُول الله _صلعم_ بالوادي... الحديث.
          وثَمْغٌ _بالثَّاء المثلَّثة ثُمَّ ميمٍ ساكنة ثُمَّ غينٍ معجمةٍ_ موضعٌ تلقاءَ المدينة، كان فيه مالٌ لعمر، فخرج إليه يومًا ففاتته صلاة العصر، فقال شغلني ثَمْغٌ عن الصَّلاة، أُشهِدكم أنَّها صدقةٌ، ذكره الإسماعيليُّ عن عمر، وقال: كان ابنُ عمر إذا قَدِمَ مكَّة أهدى إلى آل عبد الله بن خالد بن أُسيد مِنْ صدقة عمر.
          ولأبي نُعيمٍ مِنْ حديث أيُّوب، عن نافعٍ: أوصى عمر... الحديث، مِنْ حديث أيُّوب أنَّه أخذ هذا الحديث عن عمرو بن دينارٍ في صدقة عمر: لا حرج عليه _يعني على وَلِيِّهُ في تمره_ أن يأكل منه أو يواكل صديقًا غير متموِّلٍ منه مالًا، وهذا لفظ معمرٍ، وهذا إنَّما أخذه عمر مِنْ كتاب الله _تعالى_ في وليِّ اليتيم، في قوله _تعالى_: {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:6]. والمعروفُ: ما يتعارفه النَّاس بينهم غيرَ مكتسِبٍ مالًا، فهذا مباحٌ عند الحاجة، وهذا سُنَّةُ الوقف أن يأكل منه الوليُّ له ويُؤكِل لأنَّ الحبس لهذا حُبِّسَ، وليس هو مثل مَنِ اؤتمن على مال غيرِه لغير الصَّدقة فأعطى منه بغير إذن ربِّه شيئًا فإنه لا يجوز له ذلك بالإجماع.
          وفيه أنَّ النَّاس في أوقافهم على شروطهم.
          ومعنى (غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ): جامعٍ مالًا.
          وفيه دليلٌ على أبي حَنِيفةَ في منعه الحبسَ وإن كان ربعًا، وأهدى ابنُ عمر للشَّرط الَّذي في الوقف أن يُؤكل صديقًا له، أي يُطعم، وأَنَّه كان ينزل على الَّذين يُهدي إليهم مكافأةً عن طعامه، فكأنَّه هو أكله، وفيه الاستضافة ومكافأة الضَّيف.