شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب تغيير الزمان حتى يعبدوا الأوثان

          ░23▒ بابُ تَغَيُّرِ الزَّمَانِ(1) حتَّى تُعْبَدَ الأَوْثَانُ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ) وَذُو الْخَلَصَةِ طَاغِيَةُ دَوْسٍ الَّتي(2) كَانُوا يَعْبُدُونَ في الْجَاهِلِيَّةِ. [خ¦7116]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاس بِعَصَاهُ). [خ¦7117]
          قال المؤلِّف: ذكر مسلم في كتابِه ما يبيِّن حديث أبي هريرة قال: حدَّثنا أبو كامل الجَحْدَرِي قال: حدَّثنا خالد بن الحارث حدَّثنا عبد الحميد بن جعفر عن الأسود بن العلاء عن أبي سلمة عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلعم يقول: ((لَا يَذْهَبُ اللَّيلُ والنَّهَارُ حتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ والعُزَّى)) فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللهُ تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى} إلى قولِه{وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(3)}[التوبة:33]أَنَّ ذلك تامٌّ قال: ((إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ(4) رِيْحًا طَيِّبَةً فَتَوَفَّى(5) كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيْمَانٍ، فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِيْنِ آبِائِهِمْ)).
          قال المؤلِّف: هذه الأحاديث وما جانسَها معناها(6) الخصوص، وليس المراد بها أنَّ الدِّين ينقطع كلُّه في جميع أقطار الأرض حتَّى لا يبقى منه شيء لأنَّه قد ثبت عن النَّبيِّ صلعم أنَّ الإسلام يبقى إلى قيام السَّاعة إلا أنَّه يضعف ويعود غريبًا كما بدأ، وروى حمَّاد بن سلمة عن قَتادة عن مُطَرِّف عن عِمْرَان بن حُصَين قال: قال النَّبيُّ صلعم: ((لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ حَتَّى يُقَاتِلَ آخِرُهُمُ المَسِيحَ الدَّجَّالِ)) وكان مُطَرِّف يقول: هم أهل الشَّام، فبيَّن صلعم في هذا الخبر خصوصَه سائر الأخبار الَّتي خرجت مخرج العموم، وصفة الطَّائفة الَّتي على الحق مقيمةٌ إلى قيام السَّاعة أنَّها ببيت المقدس دون سائر البقاع، فبهذا تأتلف الأخبار ولا تتعارض، وقد تقدَّم بيان هذا(7) في كتاب العلم في باب مَن يُرِدِ الله به خيرًا يفقِّهه في الدِّين(8).
          فإن قال قائل: فما وجه ذكر حديث القحطاني الَّذي يسوق النَّاس بعصاه في هذا الباب؟
          قال المهلَّب: وجه ذلك أنَّه إذا قام رجل مِن قحطان ليس مِن فخذ النُّبوَّة ولا مِن رهط الشَّرف الَّذين جعل الله فيهم الخلافة فذلك مِن أكبر تغيُّر الزَّمان وتبديل أحكام الإسلام أن يدَّعي الخلافة، وأن يطاع في الدِّين مَن ليس مِن أهل ذلك.


[1] في (ص): ((باب لا تقوم الساعة))، وفي المطبوع: ((تغيير)) بدل: ((تغير)).
[2] في (ص): ((الَّذي)).
[3] في (ص): ((بالهدى إلى المشركون)).
[4] قوله: ((الله)) زيادة من (ص).
[5] في (ص): ((فتوفي)).
[6] في (ص): ((معناه)).
[7] قوله: ((بيان هذا)) ليس في (ص).
[8] قوله: ((في باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) ليس في (ص).