شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول النبي: «ويل للعرب من شر قد اقترب»

          ░4▒ بابُ قَوْلِ النَّبيِّ صلعم: (وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ).
          فيه: زَيْنَبُ قَالَتِ: (اسْتَيْقَظَ رسُولُ الله صلى الله ◙ مِنَ النَّوْمِ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، يَقُولُ: لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ، مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ، وَعَقَدَ تِسْعِينَ أَوْ مِائَةً، قِيلَ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ). [خ¦7059]
          وفيه: أَسْمَاءُ: (أَشْرَفَ النَّبيُّ صلعم عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ فقَالُوا: لَا، قَالَ: فَإِنِّي(1) لَأَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلالَ بُيُوتِكُمْ كَوَقْعِ الْقَطْرِ). [خ¦7060]
          قال المؤلِّف: هذه الأحاديث كلُّها مما أنذر النَّبيُّ صلعم بها أمَّته وعرَّفهم قرب السَّاعة لكي يتوبوا قبل أن يهجم عليهم وقت غلق باب التَّوبة حين لا ينفع نفسًا إيمانُها لم تكن آمنت مِن قبل، وقد ثبت أنَّ خروج يأجوج ومأجوج مِن آخر الأشراط، فإذا فُتح مِن ردمِهم في وقتِه ◙ مثل عقد التِّسعين أو مائة(2) فلا يزال الفتح يستدير ويتَّسع على مرِّ الأوقات، وهذا الحديث في معنى قولِه صلعم: ((بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ. وَأَشَارَ بِأُصْبِعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالَّتِي تَلِيْهَا)) وقد روى النَّضْر بن شُمَيل عن محمَّد بن عَمْرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلعم: ((وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اِقْتَرَبَ، مُوتُوا إِنِ اِسْتَطَعْتُمْ)) وهذا غاية في التَّحذير مِن الفتن والخوض فيها حين جعل الموتَ خيرًا مِن مباشرتِها، وكذلك أخبر في حديث أسامة بوقوع الفتن خلال بيوتِهم ليتوقَّفوا ولا يخوضوا فيها ويتأهَّبوا لنزولِها بالصَّبر، ويسألوا الله العصمة منها والنَّجاة مِن شرِّها.
          وقد تقدَّم في أوَّل كتاب الفتنة كيف يهلك الصَّالحون(3).
          قال ابن قتيبة: و(الخَبَثُ) الفسوق والفجور، والعرب تدعو الزِّنا خبثًا وخبيثة، وفي الحديث أنَّ رجلًا(4) وُجد مع امرأة يخبث بها أي يزني. قال الله ╡: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ}[النور:26]و((الأُطُمُ)) حصن مبنيٌّ بالحجارة.


[1] في (ص): ((فقال: إني)).
[2] في (ص): ((المائة)).
[3] قوله: ((وقد تقدم في أول كتاب الفتنة كيف يهلك الصالحون)) ليس في (ص).
[4] قوله: ((رجلاً)) ليس في (ص).