شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا يأتي زمان إلا الذي بعده شر منه

          ░6▒ بابُ لَا يَأْتِي زَمَانٌ إِلَّا الَّذي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ.
          فيه: الزُّبَيْرُ بنُ عَدِيٍّ، أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ نَشْكُوا إِلَيْهِ مَا لقي(1) مِنَ الْحَجَّاجِ، فَقَالَ: اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، سَمِعْتُهُ(2) مِنْ نَبِيِّكُمْ صلعم. [خ¦7068]
          وفيه: أُمُّ سَلَمَةَ: (اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللهِ صلعم لَيْلَةً(3) فَزِعًا يَقُولُ: سُبْحَانَ اللهِ، مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ؟ وَمَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ(4) مِنَ الْفِتَنِ؟ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ، يُرِيدُ أَزْوَاجَهُ، لِكَيْ يُصَلِّينَ، رُبَّ كَاسِيَةٍ في الدُّنيا عَارِيَةٍ في الآخِرَةِ). [خ¦7069]
          قال المؤلِّف: حديث أنس مِن علامات النُّبوَّة لإخبار النَّبيِّ صلعم بتغيُّر الزَّمان وفساد الأحوال، وذلك غيب لا يعلم بالرَّأي، وإنَّما يعلم بالوحي، ودلَّ حديث أمِّ سلمة على الوجه الَّذي يكون به الفساد، وهو ما يفتح الله عليهم مِن الخزائن وأنَّ الفتن مقرونة بها، ويشهد لصحَّة ذلك(5) قول الله ╡: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى. أَنْ رَّآهُ اسْتَغْنَى}[العلق:6-7]فمِن فتنة المال ألَّا ينفق في طاعة الله ╡ وأن يَمنع منه حقَّ الله، ومِن فتنتِه(6) السَّرف في إنفاقِه، ألا ترى قولَه ◙: ((رُبَّ كاسية في الدُّنيا عارية في الآخرة)).
          قال المهلَّب: فأخبر أنَّ فيما فتح مِن الخزائن فتنة الملابس، فحذَّر ◙ أزواجَه وغيرهنَّ / أن يَفْتَتِنَّ(7) في لباس رفيع الثَّياب الَّتي تفتن النُّفوس في الدُّنيا رقيقِها وغليظِها، وحذَّرهن التَّعرِّي يوم القيامة منها ومِن العمل الصَّالح، وحضَّهن بهذا القول أن يقدِّمْنَ ما يُفتَح عليهنَّ مِن تلك الخزائن للآخرة وليوم يُحشَر النَّاس فيه(8) عراةً، فلا يكسى إلا الأوَّل فالأوَّل في الطَّاعة والصَّدقة، والإنفاق في سبيل الله، فمَن أراد أن تسبق إليه الكسوة فليقدِّمها لآخرتِه ولا يُذهبْ طيِّباته في الدُّنيا وليَرْفَعْها إلى يوم الحاجة.
          وقولُه: (مَنْ يُوْقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ) ندبُ بعضِ خدمِه لذلك، كما قال يوم الخندق: ((مَنْ يَأْتِي(9) بِخَبَرِ القَومِ)) فلذلك(10) قال مَن سهل(11) عليه في اللَّيل أن يدور على حجر أزواجِه(12) فيوقظهنَّ للصَّلاة والاستعاذة ممَّا أراه الله سبحانه مِن الفتن النَّازلة كي يوافقن الوقت المرجوَّ فيه الإجابة، وأخبرنا صلعم أنَّ حين نزول البلاء ينبغي الفزع إلى الصَّلاة والدُّعاء فيرجى كشفُه لقوله(13) تعالى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُم(14)} الآية[الأنعام:43]، وقد(15) تقدَّم حديث أمِّ سلمة في كتاب الصَّلاة في باب تحريض النَّبيِّ صلعم على صلاة اللَّيل وذكرنا فيه معنًى زائدًا(16).


[1] كذا في (ز) و(ص): ((لقي)) بلا ضبط، وفي المطبوع نسبةً إلى (ز): ((نلقى)) وهو خطأ في القراءة. وفي مصورة السلطانية: ((نلقى)) و ((يلقوا)).
[2] في (ص): ((فسمعته)).
[3] قوله: ((ليلة)) ليس في (ص).
[4] قوله: ((الليلة)) ليس في (ص).
[5] في (ص): ((ويشهد لذلك)).
[6] في (ص): ((فتنه)).
[7] في (ص): ((يفتنَّ)).
[8] قوله: ((فيه)) ليس في (ص).
[9] في (ص): ((يأتيني)).
[10] في (ص): ((ولذلك)).
[11] في (ص): ((يسهل)).
[12] في (ص): ((نسائه)).
[13] في (ص): ((بقوله)).
[14] قوله: ((ولكن قست قلوبهم)) ليس في (ص).
[15] في (ص): ((فقد)).
[16] في (ص): ((في كتاب الصلاة بأزيد)).