شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ظهور الفتن

          ░5▒ بابُ ظُهُورِ الفِتَنِ. /
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قال: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ العِلْمُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّمَا هُوَ؟ قَالَ: الْقَتْلُ، الْقَتْلُ). [خ¦7061]
          وفيه: عَبْدُ اللهِ، وَأَبُو مُوسَى، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِنَّ بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ لَأَيَّامًا، يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ، وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ). والْهَرْجُ(1) بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْقَتْلُ. [خ¦7062] [خ¦7063]
          وَقَالَ عَبْدُ اللهِ لِأَبِي مُوسَى: تَعْلَمُ الأيَّامَ الَّتي ذَكَرَ النَّبيُّ صلعم أَيَّامَ الْهَرْجِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ صلعم يَقُولُ: (مِنْ شِرَارِ النَّاس مَنْ تُدْرِكْهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ). [خ¦7067]
          قال المؤلِّف: هذا كلُّه إخبار مِن النَّبيِّ صلعم بأشراط السَّاعة، وقد رأينا هذه الأشراط عيانًا وأدركناها، فقد نقص العلم وظهر الجهل، وأُلقِي الشُّحُّ(2) في القلوب وعمَّت الفتن، وكثر القتل، وليس في الحديث ما يحتاج إلى تفسير غير قولِه: (يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ) ومعنى ذلك والله أعلم تقارب أحوال أهلِه في قلَّة الدين حتَّى لا يكون فيهم مَن يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر لغلبة الفسق وظهور أهلِه، وقد جاء في الحديث: ((لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيرٍ مَا تَفَاضَلُوا، فَإِذَا تَسَاوَوا هَلَكُوا)) يعني لا يزالون بخير ما كان فيهم أهل فضل وصلاح وخوف لله يُلجأ إليهم عند الشَّدائد، ويُستشفى بآرائِهم، ويُتبرَّك بدعائِهم، ويُؤخذ بتقويمِهم وآثارِهم.
          وقال الطَّحاوي: قد يكون معناه في ترك طلب العلم خاصةً والرِّضا بالجهل، وذلك أنَّ(3) النَّاس لا يتساوون في العلم لأنَّ دَرَج العلم تتفاوت، قال الله ╡(4): {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}[يوسف:76]وإنَّما يتساوون إذا كانوا جهَّالًا.
          قال الخطَّابي: وأمَّا حديثُه الآخر أنَّه: ((يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ حَتَّى تَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ، وَالشَّهْرُ كَالجُمُعَةِ، وَالجُمُعَةُ كَاليَومِ، وَاليَومُ كَالسَّاعَةِ)) فإنَّ حماد بن سلمة قال: سألت عنه أبا سلمان(5) فقال: ذلك مِن استلذاذ العيش. يريد والله أعلم خروج المهدي ووقوع الأَمَنة في الأرض ببسطِه العدل فيها فيُستلَذُّ العيش عند ذلك وتُستَقصر مدَّتُه، ولا يزال النَّاس يستقصرون مدَّة(6) أيَّام الرَّخاء وإن طالت، ويستطيلون أيَّام(7) المكروه وإن قصرت، والعرب تقول في(8) مثل هذا: مرَّ بنا يوم كعُرقُوب القطا قِصَرًا.
          وقولُه ◙: (إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ أَحْيَاءَ) فإِنَّه وإن كان لفظُه لفظ(9) العموم فالمراد به الخصوص، ومعناه أنَّ السَّاعة تقوم في الأغلب والأكثر(10) على شرار(11) النَّاس بدليل قولِه صلعم: ((لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ مَنْصُورَةٌ لَا يَضُرُّهَا مَنْ نَاوَأَهَا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ)). فدلَّ هذا الخبر أنَّ السَّاعة أيضًا تقوم(12) على قوم فضلاء، وأنَّهم في صبرِهم على دينِهم كالقابض على الجمر، وقد ذكر ◙ فضلَهم في أحاديث جمَّة(13).


[1] في (ص): ((الهرج)).
[2] في (ص): ((بالشح)).
[3] في (ص): ((لأن)).
[4] في (ص): ((قال تعالى)).
[5] قوله: ((فإن حماد بن سملة قال: سألت عن أبا سلمان)) ليس في (ص).
[6] قوله: ((مدة)) ليس في (ص).
[7] قوله: ((أيام)) ليس في (ص).
[8] في (ص): ((وللعرب في)).
[9] قوله: ((لفظ)) ليس في (ص).
[10] في (ص): ((في الأكثر والأغلب)).
[11] في (ص): ((شرور)).
[12] في (ص): ((تقوم أيضاً)).
[13] في (ص): ((الجمر وذكر في مواضع)).