شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول النبي: «هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء»

          ░3▒ بابُ قَوْلِ النَّبيِّ صلعم: (هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَي أُغَيْلِمَةٍ سُفَهَاءَ مِنْ قُرَيْشٍ)
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (هَلَكَةُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ(1)). فَقَالَ مَرْوَانُ: لَعْنَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: / لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ بَنِي فُلانٍ، وَبَنِي فُلانٍ لَفَعَلْتُ. [خ¦7058]
          قال المؤلِّف: وفي هذا الحديث أيضًا حجَّة لجماعة الأمَّة في ترك القيام على أئمَّة الجور ووجوب طاعتهم والسَّمع والطَّاعة لهم، ألا ترى أنَّه ◙ قد أعلم أبا هريرة بأسمائِهم وأسماء آبائِهم، ولم يأمرْه بالخروج عليهم ولا بمحاربتِهم، وإن كان قد أخبر أنَّ هلاك أمَّته على أيديهم، إذ الخروج عليهم أشدُّ في الهلاك وأقوى في الاستئصال، فاختار ◙ لأمَّتِه أيسر الأمرين وأخفَّ الهلاكين، إذ قد جرى قدر الله وعلمُه أن أئمَّة الجور أكثر مِن أئمَّة العدل وأنَّهم يتغلَّبون على الأمَّة، وهذا الحديث مِن أقوى ما يُردُّ به على الخوارج.
          فإن قال قائل: ما أراد النَّبيُّ صلعم بقولِه: (هَلَاكُ أُمَّتِي) إهلاكُهم في الدِّين أو(2) هلاكُهم في الدُّنيا بالقتل؟ قيل: أراد الهلاكين معًا، وقد جاء ذلك بيِّنًا في حديث علي بن مَعْبَد عن إسماعيل بن عيَّاش عن يحيى بن عُبيد الله عن أبيه(3) قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلعم: ((أَعُوذُ بِاللهِ مِنْ إِمَارَةِ الصِّبْيَانِ. فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَمَا إِمَارَةُ الصِّبْيَانِ؟ فَقَالَ: إِنْ أَطَعْتُمُوهُم هَلَكْتُم، وَإِنْ عَصَيْتُمُوهُم أَهْلَكُوكُم، فَهَلَاكُهُم فِي طَاعَتِهِم هَلَاكُ الدِّينِ، وَهَلَاكُكُم فِي عِصْيَانِهِم هَلَاكُ الأَنْفُسِ)).
          فإن قيل: فلم ذكر البخاري في الترجمة (أُغَيْلِمَةٍ سُفَهَاءَ مِنْ قُرَيْشٍ) ولم يذكر (سُفَهَاءَ) في حديث الباب؟. قيل: كثيرًا ما يفعل مثل هذا، وذلك أن تأتي في حديث لا يرضى إسنادَه لفظةٌ تبيِّن عن(4) معنى الحديث فيترجم بها ليدلَّ على المراد بالحديث، وعلى أنَّه قد روي عن العلماء ثمَّ لا يسعُه أن يذكر في حشو الباب إلَّا أصحَّ ما روي فيه لاشتراطِه الصِّحَّة في كتابِه، وقد روي ذلك عن(5) علي بن مَعْبَد قال حدَّثنا أشعث بن سعيد عن سِمَاك عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلعم: ((إِنَّ فَسَادَ أُمَّتِي، أَوْ هَلَاكَ أُمَّتِي عَلَى رُؤُوسِ غِلْمَةٍ سُفَهَاءَ مِنْ قُرَيْشٍ)). فبان في هذا(6) الحديث أنَّ الغِّلْمة سفهاء، وأنَّ الموجب لهلاك النَّاس بهم أنَّهم رؤساء وأمراء متغلِّبين.


[1] في (ص): ((فيه أبو هريرة قال... من قريش)) ليس في (ص) وفي حاشيتها: ((بيان: غيلمة)).
[2] في (ص): ((أم)).
[3] قوله: ((عن إسماعيل بن عياش... عن أبيه)) ليس في (ص).
[4] قوله: ((عن)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((عن)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((فبان بهذا)).