شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول النبي: «سترون بعدى أمورًا تنكرونها»

          ░2▒ بابُ قَوْلِ النَّبي صلعم: (سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا).
          وَقَالَ عَبْدُاللهِ بْنُ زَيْدٍ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (اصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ).
          فيه: ابن مسعود، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِنَّكُمْ(1) سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا)، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَاسْأَلُوا اللهَ حَقَّكُمْ). [خ¦7052]
          وفيه: ابنُ عبَّاسٍ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا، فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً). [خ¦7053]
          وفيه: عُبَادَةُ، بَايَعنَا النَّبي صلعم على السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةً عَلَيْنَا، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ. [خ¦7055] [خ¦7056]
          وفيه: أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ: (أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبيَّ صلعم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا، وَلَمْ تَسْتَعْمِلْنِي، قَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حتَّى تَلْقَوْنِي). [خ¦7057]
          قال المؤلِّف(2): في هذه الأحاديث حجَّة في ترك الخروج على أئمَّة الجور ولزوم السَّمع والطَّاعة لهم(3)، والفقهاء مجمعون على أنَّ الإمام المتغلِّب طاعتُه لازمة، ما أقام الجمعات(4) والجهاد، وأنَّ طاعتَه خير مِن الخروج عليه لما في ذلك مِن حقن الدِّماء وتسكين الدَّهماء، ألا ترى قولَه صلعم لأصحابِه: (سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرونَهَا) فوصف صلعم(5) أنَّهم سيكون عليهم أمراء يأخذون منهم الحقوق ويستأثرون بها، ويؤثرون بها مَن لا تجب له الأثرة، ولا يعدلون فيها، وأمرهم بالصَّبر عليهم والتزام طاعتِهم على ما فيهم مِن الجور، وذكر علي بن مَعْبَد عن علي بن أبي طالب أنَّه قال: لابدَّ مِن إمامة برَّة أو فاجرة(6). قيل له: هذه(7) البرَّة لابدَّ منها، فما بال الفاجرة؟ قال: تقام بها الحدود وتَأمن بها السُّبل ويُقسَم بها الفيء ويجاهد بها العدو. ألا ترى قولَه صلعم في حديث ابن عبَّاس: (مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيْتةً جَاهِلِيّةً). وقولَه في(8) حديث عُبَاْدَة: (بَايَعنَا رَسُول الله صلعم عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ) إلى قولِه: (وَأَلَّا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ، إِلَّا أَنْ تَرَوا كُفْرًا بُوَاحًا) فدلَّ هذا كلُّه على ترك الخروج على الأئمَّة، وألَّا يشقَّ عصا المسلمين، ولا(9) يتسبَّب إلى سفك الدِّماء وهتك الحريم، إلا أن يكفُر الإمام ويُظهِر خلاف دعوة الإسلام، فلا طاعة لمخلوق عليه، وقد تقدَّم في كتاب الجهاد وفي كتاب الأحكام شيء مِن هذا المعنى(10).
          قال الخطَّابي: (بُوَاحًا) يريد ظاهرًا باديًا، ومنه قولُه: باح بالشيء يبوح به بوحًا وبُؤُوحًا، إذا أذاعَه وأظهرَه، ومَن رواه (بَرَاحًا) فالبَراح بالشَّيء مثل البُواح أو قريب منه، وأصل البَراح الأرض القفر الَّتي لا أنيس ولا بناء فيها، وقال غيرُه: البَراح: البيان، يقال: برح الخفاء أي ظهر.


[1] قوله: ((إنكم)) ليس في (ص).
[2] في (ص): ((المهلَّب)).
[3] قوله: ((والطاعة لهم)) ليس في (ص).
[4] قوله: ((طاعته لازمة ما أقام الجماعات)) ليس في (ص).
[5] قوله: ((لأصحابه سترون... فوصف صلعم)) ليس في (ص).
[6] في (ص): ((لا تؤمن أمة برة ولا فاجرة)).
[7] قوله: ((هذه)) ليس في (ص).
[8] في (ص): ((جاهلية. وفي)).
[9] في (ص): ((وألا)).
[10] في (ص): ((الجهاد وكتاب الأحكام هذا)).