شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا التقى المسلمان بسيفيهما

          ░10▒ بابٌ إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا.
          فيه: أَبُو بَكْرَة، قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَكِلاهُمَا فِي النَّارِ، قِيلَ: فَهَذَا الْقَاتِلُ، فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: إِنَّه أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ). [خ¦7083]
          قال المؤلِّف: ولهذا الحديث أيضًا قعد مَن قعد مِن الصَّحابة عن الدُّخول في الفتنة ولزموا بيوتَهم، وفسَّر أهل العلم هذا الحديث فقالوا: قولُه صلعم: (القَاتِلُ والمَقْتُولُ فِي النَّارِ) ليس هو على الحتم لهما بالنَّار، وإنَّما معناه أنَّهما يستحقَّان النَّار إلا أن يشاء الله أن يغفر لهما لأنَّه صلعم سمَّاهما مسلمين وإن قتل أحدُهما صاحبَه، ومذهب جماعة أهل السُّنَّة أنَّ الله تعالى في وعيدِه لعصاة المؤمنين بالخيار إن شاء عذَّبهم، وإن شاء عفا عنهم، وقد تقدَّم هذا المعنى(1) في كتاب الإيمان.
          وقال المؤلِّف: في حديث أبي بكرة دليل أنَّه إذا التقى المسلمان بسيفيهما واختلفت طائفتان على التَّأويل في الدِّين ولم يتبيَّن البغي مِن أحدهما أنَّه يجبُ القعود عنهما وملازمة البيوت، ولهذا تخلَّف محمَّد بن مسلمة وسعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد وعبد الله بن عُمَر وحذيفة وجماعة من(2) تلك المشاهد لأنَّه لم يتبيَّن لهم ما قام فيه المقتتلون، وأخذوا بقولِه صلعم: ((تَكُونُ فِتَنٌ القَاعِدُ فِيْهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ)) فأمَّا إذا ظهر البغي في إحدى الطَّائفتين لم يحلَّ لمسلم أن يتخلَّف عن قتال الباغية لقوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيْءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ}[الحجرات:9]ولو أمسك المسلمون عن قتال أهل البغي لبطلت فريضة مِن فرائض الله تعالى، وهذا يدلُّ أنَّ قولَه: (فَالقَاتِلُ والمَقْتُولُ في النَّارِ) ليس في أحد مِن أصحاب محمَّد صلعم لأنَّهم إنَّما(3) قاتلوا على التَّأويل، وقال بعض العلماء: فإن قال قائل: فأيُّ الطَّائفتين كانت أولى بالحق؟ قيل: كلا الطَّائفتين عندنا محمودة مجتهدة برَّة تقيَّة، وقد قعد عنها أصحاب النَّبيِّ صلعم ولم يروا في ذلك بيانًا، وهم كانوا أولى بمعرفة الحقِّ فكيف يحكم لأحد الفريقين على الآخر، ألا ترى أنَّ النَّبيَّ صلعم شهد لعليٍّ وطلحة والزُّبير بالشَّهادة، فكيف يكون شهيدًا مَن يحلُّ دمُه، وكيف يُحكَم لأحد الفريقين على الآخر وكلاهما شهداء؟ روى خالد بن خِداش عن الدَّرَاوَرْدِي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: كان النَّبيُّ صلعم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزُّبير على حراء فتحرَّك، فقال رسول الله: ((اسْكُنْ حِرَاءُ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيكَ إِلَّا نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدٌ)) وكلُّ أصحاب رسول الله صلعم يجب على المسلمين توقيرُهم والإمساك عن ذكر زَلَلِهم ونشر محاسنِهم، وكلُّ مَن ذهب منهم إلى تأويل فهو معذور، وإن كان بعضُهم أفضل مِن بعض وأكثر سوابق.


[1] قوله: ((هذا المعنى)) ليس في (ص).
[2] في المطبوع: ((عن)).
[3] قوله: ((إنَّما)) ليس في المطبوع.