عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب من نسى صلاة فليصل إذا ذكرها ولا يعيد إلا تلك الصلاة
  
              

          ░37▒ (ص) بابُ منْ نَسِيَ صلَاةً فَلْيُصَلِّ إذا ذَكَر، وَلَا يُعِيدُ إلَّا تِلْكَ الصَّلَاةِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ يُذكَرُ فيه أنَّ مَن نسيَ صلاةً حَتَّى خرج وقتها فليصلِّها إذا ذكرها.
          (وَلَا يُعِيدُ إلَّا تِلْكَ الصَّلَاةِ) أي: لا يقضيها، وفي بعض النُّسَخ: <ولا يُعِد> والفرق بينهما أنَّ الأَوَّل نفيٌ، والثاني نهيٌ.
          (ص) وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: مَنْ تَرَكَ صَلَاةً وَاحِدَةً عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ يُعِدْ إِلَّا تِلْكَ الصَّلَاةَ الْوَاحِدَةَ.
          (ش) (إِبْرَاهِيمُ) هو النَّخَعِيُّ.
          مطابقة هذا الأثر للترجمة ظاهرةٌ؛ لأنَّ قوله: (منْ نَسِيَ صلَاةً فَلْيُصَلِّ إذا ذَكَر) أعمُّ مِن أن يكون ذِكْرُه إيَّاها بعد النسيان بعد شهرٍ أو سنة أو أكثر مِن ذلك، وقيَّده بـ(عشرين سنة) للمبالغة، والمقصود: أنَّهُ لا يجب عليه إلَّا إعادة الصلاة التي نسيها خاصَّةً في أيِّ وقت ذكرها.
          وأخرج الثَّوْريُّ هذا في «جامعه» موصولًا عن منصور وغيره عن إبراهيم، وأشار البُخَاريُّ بهذا الأثر إلى تقوية قوله: (وَلَا يُعِيدُ إلَّا تِلْكَ الصَّلَاةِ)، ويحتمل أنَّهُ أشار أيضًا إلى تضعيف ما وقع في بعض طُرق حديث أبي قتادة عند مسلمٍ في قضيَّة النوم عن الصلاة؛ حيث قال: (فإذا كان الغد فليصلِّها عند وقتها)، فبعضهم زعم أنَّ ظاهره إعادة المقضيَّة مَرَّتينِ؛ عند ذكرها وعند حضور مثلها مِن الوقت الآتي، وأُجيب عن هذا بأنَّ اللفظ المذكور ليس نصًّا في ذلك؛ لأنَّه يحتمل أن يريد بقوله: (فليصلِّها عند وقتها) ؛ أي: الصلاة التي تحضر، لا أنَّهُ يريد أن يعيد التي صلَّاها بعد خروج وقتها.
          فَإِنْ قُلْتَ: روى أبو داود مِن حديث عِمْرَان بن حصين في هذه القصَّة: «مَن أدرك منكم صلاة الغداة مِن غدٍ صالحًا؛ فليقضِ معها مثلها».
          قُلْت: قال الخَطَّابيُّ: لا أعلم أحدًا قال بظاهره وجوبًا، قال: ويُشبِهُ أن يكون الأمرُ فيه للاستحباب؛ ليُحرِز فضيلة الوقت في القضاء انتهى.
          وحكى التِّرْمِذيُّ عن البُخَاريِّ أنَّ هذا غلطٌ مِن روايه، ويؤيِّد ذلك ما رواه النَّسائيُّ مِن حديث عِمْرَان بن حُصَيْنٍ أيضًا أنَّهم قالوا: يا رسول الله؛ ألا نقضيها لوقتها مِنَ الغد؟ فقال صلعم : «لا ينهاكمُ الله عن الربا ويأخذه منكم».