عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب وقت العشاء إذا اجتمع الناس أو تأخروا
  
              

          ░21▒ (ص) بابُ وَقْتِ العِشَاءِ إذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أوْ تَأَخَّرُوا.
          (ش) أي: هذا باب في بيان وقت العشاء عند اجتماع الجماعة وعند تأخُّرهم، فوقتها عند الاجتماع أَوَّل الوقت، وعند التأخُّر التأخير.
          وأَمَّا حدُّ التأخير ففي حديث عَمْرو بن العاص: (وقتها إلى نصف الليل الأوسط)، وفي رواية بُرَيدة: (أنَّهُ صلَّى في اليوم الثاني بعدما ذهب ثُلُثُ الليل)، وفي رواية: (عندما ذهب ثُلُثُ الليل)، ومثله في حديث أبي موسى: (حين كان ثلث الليل)، وفي حديث جبريل عليه والسلام: (حين ذهب ساعةٌ مِن الليل)، وفي رواية ابن عَبَّاس: (إلى ثلث الليل)، وفي حديث أبي بَرْزَةَ: (إلى نصف الليل أو ثلثِه)، وقال مَرَّةً: (إلى نصف الليل)، ومرَّةً: (إلى ثلث الليل)، وفي حديث أنس: (شطره)، وفي حديث ابن عمر: (حتى ذهب ثلثه)، وفي حديث جابر: (إلى شطره)، وعنه: (إلى ثلثه)، وفي حديث عائشة: (حين ذهب عامَّة الليل).
          واختلف العلماء بحسب هذا؛ وقال عياض: وبالثلث قال مالكٌ والشَّافِعِيُّ في قول، وبالنصفٍ قال أصحاب الرأي وأصحاب الحديث والشَّافِعِيُّ _في قول_ وابنُ حبيب مِن أصحابنا، وعن النَّخَعِيِّ: الربع، وقيل: وقتها إلى طلوع الفجر، وهو قول داود، وهذا عند مالكٍ وقت الضرورة.
          قُلْت: مذهب أبي حنيفة: التأخير أفضل إلَّا في ليالي المصيف، وفي «شرح الهداية»: تأخيرها إلى نصف الليل مباحٌ، وقيل: تأخيرها بعد الثلث مكروهٌ، وفي «القِنية»: تأخيرها على النصف مكروهٌ كراهةَ تحريم.
          وقال بعضهم: أشار بهذه الترجمة إلى الرَّدِّ على مَن قال: إِنَّها تسمَّى العشاء إذا عُجِّلت، والعتمة إذا أُخِّرت.
          قُلْت: هذا كلامٌ واهٍ؛ لأنَّ الترجمة لا تدلُّ على هذا أصلًا، وإِنَّما أشار بهذا إلى أنَّ اختياره في وقت العشاء التقديم عند الاجتماع، والتأخير عند التأخُّر، وهو نصُّ الشَّافِعِيِّ أيضًا في «الأمِّ»: أنَّه إذا اجتمعوا عجَّل، وإذا أبطؤوا أخَّر.