عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: العجماء جبار
  
              

          ░29▒ (ص) بَابٌ الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ.
          (ش) أي: هذا بابٌ يُذكَر فيه العجماء جُبَارٌ، وإِنَّما أعاد ذكر هذا بترجمةٍ أخرى لِمَا فيها مِنَ التفاريع الزائدة على البئر والمعدن.
          (ص) وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: كَانُوا لَا يُضَمِّنُونَ مِنَ النَّفْحَةِ وَيُضَمِّنُونَ مِنْ رَدِّ الْعِنَانِ.
          (ش) أي: (قَالَ) مُحَمَّد (بْنُ سِيرِين: كَانُوا) أي: العلماء مِنَ الصحابة أو التَّابِعينَ (لَا يُضَمِّنُونَ) بالتشديد مِنَ التضمين (مِنَ النَّفْحَةِ) بفتح النون وسكون الفاء وبالحاء المُهْمَلة، وهي الضربة بالرِّجْل، يقال: نفحتِ الدابَّةُ إذا ضرَبَتْ برجلها، (وَيُضَمِّنُونَ مِنْ رَدِّ الْعِنَانِ) بكسر العين المُهْمَلة وتخفيف النون، وهو ما يُوضَع في فم الدابَّة ليصرفها الراكب لما يختار، وذلك لأنَّ في الأَوَّل لا يمكنه التحفُّظ بخلاف الثاني، وهذا التعليق وصله سعيد بن منصورٍ عن هُشَيم: حَدَّثَنَا ابن عونٍ عن مُحَمَّد بن سِيرِين.
          (ص) وَقَالَ حَمَّادٌ: [لَا تُضْمَنُ النَّفْحَةُ إِلَّا أَنْ يَنْخُسَ إِنْسَانٌ الدَّابَّةَ.
          (ش) أي: قال حمَّاد]
بن أبي سليمان الأشعريُّ، واسم أبي سليمان مسلمٌ.
          قوله: (لَا تُضْمَنُ) على صيغة المجهول، و(النَّفْحَةُ) مرفوعٌ به؛ لأنَّه مفعولٌ قامَ مقام الفاعل.
          قوله: (إِلَّا أَنْ يَنْخُـِـَسَ) بِضَمِّ الخاء المُعْجَمة وفتحها وكسرها، مِنَ النخس، وهو غرز مؤخَّر الدَّابَّة أو جنبها بعودٍ ونحوه.
          (ص) وَقَالَ شُرَيْحٌ: لَا يَضْمَنُ مَا عَاقَبَ أَنْ يَضْرِبَهَا فَتَضْرِبَ بِرِجْلِهَا.
          (ش) أي: قال شُرَيح بن الحارث الكنديُّ القاضي المشهور.
          قوله: (مَا عَاقَبَ) يروى بالتذكير والتأنيث، فالمعنى على [التذكير: لا يضمن ضاربُ الدابَّة ما دام في معاقبتها في الضرب، وهي أيضًا تضرب برجلها على سبيل المعاقبة؛ أي: المكافأة منها، وأَمَّا على معنى] التأنيث فقوله: (لَا يَضْمَنُ) أي: الدابَّة؛ بإسناد الضمان إليها مجازًا، والمراد ضاربها.
          قوله: (أَنْ يَضْرِبَهَا) قال الكَرْمانيُّ: «أن يضربها فتضرب برجلها» إمَّا مجرورٌ بجارٍّ مقدَّر؛ أي: بأن يضربها، أو مرفوعٌ خبرُ مبتدأ محذوف؛ أي: وهو أن يضربها.
          وفي قولِ شُرَيحٍ هذا قلاقةٌ قلَّ مَن يفسِّرها كما ينبغي، وأثرُه هذا وصله ابن أبي شَيْبَةَ مِن طريق مُحَمَّد بن سِيرِين عن شُرَيحٍ قال: يضمن السائق والراكب، ولا تضمن الدابَّة إذا عاقبت، قُلْت: وما «عاقبت»؟ قال: إذا ضَرَبها رَجُلٌ فأصابته.
          (ص) وَقَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ: إِذَا سَاقَ الْمُكَارِي حِمَارًا عَلَيْهِ امْرَأَةٌ فَتَخِرُّ؛ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
          (ش) (الحَكَمُ) بفتحتين، هو ابن عُتَيْبة؛ مصغَّر (عَتَبة الدار) و(حمَّادٌ) هو ابن أبي سليمان.
          قوله: (فَتَخِرُّ) بالخاء المُعْجَمة؛ أي: فتسقط (لَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أي: على المكاري؛ أي: لا ضمان.
          (ص) وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِذَا سَاقَ دَابَّةً فَأَتْعَبَهَا فَهْوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ، وَإِنْ كَانَ خَلْفَهَا مُتَرَسِّلًا لَمْ يَضْمَنْ.
          (ش) (الشَّعْبِيُّ) هو عامر بن شَرَاحيل الكوفيُّ، ونسبته إلى شَعْبٍ مِنَ هُمْدان، أدرك / غيرَ واحدٍ مِنَ الصحابة، ومات أَوَّل سنة ستٍّ ومئة، وهو ابنُ سبعٍ وسبعين سنةً.
          قوله: (فَأَتْعَبَهَا) مِنَ الإتعاب، ويروى: <فأتبَعَها> مِنَ الإِتباع.
          قوله: (خَلْفَهَا) أي: وراءها، ويروى: <خلَّفها> بتشديد اللَّام بماضي (التفعيل).
          قوله: (مُتَرَسِّلًا) نصبٌ على أنَّهُ خبر (كَانَ) أي: متسهِّلًا في السير موقوفًا بها، لا يسوقها ولا يبعثها؛ (لَمْ يَضْمَنْ) شيئًا مِمَّا أصابته، ووصله ابن أبي شَيْبَةَ مِن طريق إسماعيل بن سالمٍ عن عامرٍ الشعبيِّ... فذكره.