عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: إذا قتل نفسه خطأً فلا دية له
  
              

          ░17▒ (ص) بَابٌ إِذَا قَتَلَ نَفْسَهُ خَطَأً فَلَا دِيَةَ لَهُ.
          (ش) أي: هذا بابٌ فيه إذا قتل شخصٌ نفسَه خطأً؛ أي: مخطئًا؛ / أو قتلًا خطأ، فلا دية له؛ أي: فلا تجب الدِّيَة له، وزاد الإسماعيليُّ: (ولا إذا قتل نفسه عمدًا) وقال الإسماعيليُّ: وليس مطابقًا لما بوَّب له.
          قُلْت: إِنَّما قال: (خَطَأً) لمحلِّ الخلاف فيه، قال ابن بَطَّالٍ: قال الأوزاعيُّ وأحمد وإسحاق: تجب ديته على عاقلته، فإن عاش فهي له عليهم، وإن مات فهي لورثته، وقال الجمهور _منهم ربيعة ومالكٌ والثَّوْريُّ وأبو حنيفة والشافعيُّ_: لا شيء فيه، وحديث الباب حجَّةٌ لهم؛ حيث لم يوجب الشارع لعامر بن الأكوع ديةً على عاقلته ولا على غيرها، ولو وجب عليها شيءٌ لبيَّنه لأنَّه مكانٌ يُحتَاج فيه إلى البيان؛ إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، والنظر يمنع أن يجب للمرء على نفسه شيءٌ بدليل الأطراف فكذا الأنفس، وأجمعوا أنَّهُ إذا قطع طرفًا مِن أطرافه عمدًا أو خطأ لا يجب فيه شيءٌ، قال الكَرْمانيُّ: إنَّ لفظ: «فلا دية له» في الترجمة المذكورة لا وجه له، وموضعه اللَّائق به الترجمة السابقة؛ أي: إذا مات في الزحام فلا دية له على المزاحمين عليه؛ لظهور أنَّ قاتل نفسه لا دية له، ولعلَّه مِن تصرُّفات النقلة عن نسخة الأصل، وقالت الظاهريَّة: ديته على عاقلته، فربَّما أراد البُخَاريُّ بها ردَّه. انتهى.
          قُلْت: على هذا لا وجه لقوله: (وموضعه اللائق به الترجمة السابقة) بل اللائق به أن يُذكَر في الترجمتين جميعًا؛ فافهم.