عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب من استعان عبدًا أو صبيًا
  
              

          ░27▒ (ص) / بَابُ مَنِ اسْتَعَانَ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان (مَنِ اسْتَعَانَ) مِنَ الاستعانة؛ وهو طلب العون، هكذا في رواية الأكثرين: (استعان) بالنون، وفي رواية النَّسَفِيِّ والإسماعيليِّ: <استعار> بالراء، مِنَ الاستعارة، وهو طلب العارية، ووجه ذكر هذا الباب في (كتاب الدِّيَات) هو أنَّهُ إذا هلك العبد في الاستعمال تجب الدِّيَة، واختلفوا في دية الصبيِّ؛ وفي «التوضيح»: إن استعان حرًّا بالغًا متطوِّعًا أو بإجارةٍ وأصابه شيءٌ، فلا ضمان عليه عند الجميع إن كان ذلك العمل لا غرر فيه، وإِنَّما يضمن مَن جنى أو تعدَّى، واختُلِفَ إذا استعمل عبدًا بالغًا في شيءٍ فعطب، فقال ابن القاسم: إن استعمل عبدًا في بئرٍ يحفرها ولم يؤذن له في الإجارة، فهو ضامنٌ إن عطب، وكذلك إذا بعثه إلى سفرٍ بكتابٍ، وروى ابن وهبٍ عن مالكٍ: لا ضمان عليه سواءٌ أذن له سيِّده في الإجارة أو لم يأذن مِمَّا أصاب، إلَّا أن يستعمله في غررٍ كبيرٍ؛ لأنَّه لم يؤذن له فيه.
          (ص) وَيُذْكَرُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ بَعَثَتْ إِلَى مُعَلِّمِ الْكُتَّابِ: ابْعَثْ إِلَيَّ غِلْمَانًا يَنْفُشُونَ صُوفًا، وَلَا تَبْعَثْ إِلَيَّ حُرًّا.
          (ش) مُطَابَقَتُهُ للتَّرجَمَة ظَاهِرَةٌ.
          و(أُمُّ سَلَمَةَ) زوج النَّبِيِّ صلعم ، واسمها هند.
          قوله: (مُعَلِّمِ الْكُتَّابِ) في رواية النَّسَفِيِّ: <معلِّم كُتَّاب > وهو بِضَمِّ الكاف وتشديد التاء، قال الجَوْهَريُّ: الكُتَّاب: الكتبة، والكُتَّاب أيضًا والمَكْتَب واحدٌ، والجمع: الكتاتيب والمكاتب.
          قوله: (يَنْفُشُونَ) بالفاء، مِن نفشتُ القطن أو الصوف أنفشه نفشًا، وعهنٍ منفوشٍ.
          قوله: (وَلَا تَبْعَثْ إِلَيَّ) بكسر الهمزة وتشديد الياء، كذا في رواية الجمهور، وذكره ابن بَطَّالٍ بلفظ: «إلَّا» التي هي حرف الاستثناء، وشَرَحَه على ذلك، وهذا عكس معنى رواية الجمهور، واشتراط أمِّ سلمة أنَّه لا يُرسلَ إليها حرًّا؛ لأنَّ الجمهور قائلون بأنَّ مَنِ استعان صبيًّا حرًّا لم يبلغ أو عبدًا بغير إذن مولاه فهلكا في ذلك العمل فهو ضامنٌ لقيمة العبد ولدِيَة الصبيِّ الحرِّ على عاقلته, وقال الداوديُّ: يحتمل فعل أمِّ سلمة لأنَّها أمُّهم، وقال الكَرْمانيُّ: ولعلَّ غرضها مِن منع بعث الحرِّ إكرام الحرِّ وإيصال العوض؛ لأنَّه على تقدير هلاكه في ذلك العمل لا يضمنه، بخلاف العبد فإنَّ الضمان عليها لو هلك به، وهذا التعليق رواه وكيع بن الجرَّاح، عن معمرٍ، عن سفيان، عن ابن المُنْكَدِر، عن أمِّ سلمة، وهو منقطعٌ؛ لأنَّ مُحَمَّد بن المُنْكَدِر لم يسمع مِن أمِّ سلمة، فلذلك ذكره البُخَاريُّ بصيغة التمريض.