عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب هل يصلى على غير النبي
  
              

          ░33▒ (ص) بَابُ هَلْ يُصَلَّى عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صلعم ؟
          (ش) أي: هذا بابٌ يُذْكَر فيه: هل يُصلَّى على غير النَّبِيِّ صلعم ؟ / [استقلالًا أو تبعًا، ويدخل في قوله: (غَيْرِ النَّبِيِّ) عَلَيْهِ الصلاة والسلام] الملائكة والأنبياء والمؤمنون، وإِنَّما صَدَّر الترجمة بالاستفهام للخلاف في جواز الصلاة على غير النَّبِيِّ صلعم ؛ فإنَّ منهم مَن أنكر الصلاة على غير النَّبِيِّ صلعم مطلقًا، واحتجُّوا بما رواه أبو بَكْر ابن أبي شَيْبَةَ مِن حديث عثمان بن حكيم عَن عِكْرِمَة عَن ابن عَبَّاس قال: ما أعلم الصلاة تنبغي مِن أحدٍ على أحدٍ إلَّا على رسول الله صلعم ، وحُكِيَ القولُ به عَن مالكٍ، وجاء نحوه عَن عُمَر بن عبد العزيز ☺ وعن سفيان أيضًا، ومنهم مَن جَوَّزها تبعًا مطلقًا ولا يجوزها استقلالًا، وبه قال أبو حنيفة وجماعة، ومنهم مَن جوَّزها مطلقًا؛ يعني: استقلالًا وتبعًا، وحجَّتهم حديث الباب، وأَمَّا الصلاة على الأنبياء ‰ فقد ورد فيها أحاديث: منها: ما رواه ابن عَبَّاسٍ مرفوعًا أخرجه الطَّبرانيُّ: «إذا صَلَّيتم عليَّ فصلُّوا على أنبياء الله، فإنَّ الله بعثهم كما بعثني» وسنده ضعيف، ومنها: حديث عليٍّ ☺ في الدعاء بحفظ القرآن، وفيه: «وصلِّ عليَّ وعلى سائر النَّبِيِّين» أخرجه التِّرْمِذيُّ والحاكم، وأَمَّا الصلاة على الملائكة فيمكن أن تُؤْخَذُ مِن الحديث المذكور؛ لأنَّ الله سمَّاهم رسلًا، وأَمَّا المؤمنون فحديث الباب يدلُّ على جواز الصلاة عليهم على الاختلاف الذي ذكرناه.
          (ص) وَقَوْلُ الله تَعَالَى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}[التوبة:103].
          (ش) صدَّر بهذه الآية تنبيهًا على أنَّ الصلاة على غير النَّبِيِّ تجوز، وأيضًا توضِّح الإبهام الذي في الترجمة.
          قوله: ({وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}) أي: ادعُ لهم واستغفر لهم؛ لأنَّ معنى الصلاة الدعاء، وفي «تفسير الثعلبيِّ»: هو قول الوالي إذا أخذ الصدقة: آجَرَك الله فيما أعطيت، وبارك لك فيما أبقيت.
          قوله: ({سَكَنٌ}) عن ابن عَبَّاس: رحمة لهم، وعن قتادة: وقار، وعن الكلبيِّ: طمأنينة لهم، أنَّ الله قد قبل منهم، وعن أبي معاذ: تزكية لهم منك، وعن أبي عبيدة: تثبُّتٌ.