عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب أفضل الاستغفار
  
              

          ░2▒ (ص) باب أَفْضَلِ الاسْتِغْفَارِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيانِ أفضل الاستغفار، وسقط لفظ (باب) في رواية أبي ذرٍّ، ووقع لابن بَطَّالٍ: فضل الاستغفار، وقال الكَرْمانيُّ قوله: أفضل الاستغفار، فَإِنْ قُلْتَ: معنى الأفضل الأكثر ثوابًا عند الله، فما وجهه هنا؛ إذ الثواب للمستغفر لا له؟ قُلْت: هو نحو مكَّة أفضل مِنَ المدينة أي: ثواب العابد فيها أفضل مِن ثواب العابد في المدينة، فالمراد: المستغفر بهذا النوع مِنَ الاستغفار أكثر ثوابًا مِنَ المستغفر بغيره.
          (ص) وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}[نوح:10-12]، {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عِمْرَان:135].
          (ش) (وَقَوْلِهِ) بالجرِّ عطفًا على قوله: (أَفْضَلُ الْاسْتِغْفَارِ) وفي بعض النُّسَخ: <واستغفروا> بالواو، وكذا وقع في رواية أبي ذرٍّ، والصواب ترك الواو، فإنَّ القرآن: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} وفي رواية أبي ذرٍّ أيضًا هكذا: <وَ{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} الآية> [نوح:10]، وفي رواية غيره ساقها إلى قوله: {أَنْهَارًا} كما في كتابنا هذا.
          وأشار بالآيتين إلى إثبات مشروعيَّة الحثِّ على الاستغفار؛ فلذلك ترجم بالأفضليَّة، وأشار بالآية الثانية أنَّ بالاستغفار يحصل كلُّ شيء، ويؤيِّد هذا ما ذكره الثعلبيُّ: أنَّ رجلًا أتى الحسن البَصْرِيَّ ☺ ، فشكا إليه الجُدُوبة، فقال له الحسن: استغفِرِ الله، وأتاه آخر فشكا إليه الفقر، فقال له: استغفر الله، وأتاه آخر فقال: ادعُ الله لي أن يرزقني ابنًا، فقال: استغفر الله، وأتاه آخر فشكا إليه جَفاف بَساتينه، فقال له: استغفر الله، فقيل له: أتاك رجالٌ يشكونَ أبوابًا، ويسألون أنواعًا، فأمرتهم كلَّهم بالاستغفار، فقال: ما قلت مِن ذات نفسي في ذلك شيئًا، إِنَّما اعتبرتُ فيه قول الله ╡ حكاية عَن نبيِّه نوح ◙ أنَّهُ قال لقومه: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} الآية.
          والآية الثانية هكذا في رواية أبي ذرٍّ: <{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} الآية> وساق غيره إلى قوله: {وَهُمْ يَعْلَمُونَ} كما في كتابنا.
          قوله: ({يُرْسِلِ السَّمَاءَ}) أي: المطر.
          قوله: ({مِدْرَارًا}) أي: ذا غَيثٍ كثير.
          قوله: ({فَاحِشَةً}) أي: زنًى.