عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

حديث: من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم
  
              

          5778- (ص) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّاب: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ؛ فَهْوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَحَسَّى سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ؛ فَسَمُّهُ فِي يَدِهِ، يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ؛ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ، يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا».
          (ش) هذا الحديث يوضح إبهام ما في الترجمة مِنَ الحكم، وهو وجه المطابقة بينهما.
          و(عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ) أبو مُحَمَّدٍ الحجَبيُّ البَصْريُّ، [مات في سنة ثمان وعشرين ومئتين، و(خَالِدُ بْنُ الْحَارِث) ابن سُلَيم، أبو عثمان البَصْريُّ]، و(سُلَيْمَانُ) هو الأَعْمَش، و(ذَكْوَانُ) بفتح الذال المُعْجَمة، أبو صالحٍ الزَّيَّات السمَّان المدينيُّ.
          والحديث أخرجه مسلمٌ في (الإيمان) عن يحيى بن حبيب، وأخرجه التِّرْمِذيُّ في (الطبِّ) عن / محمود بن غَيْلان، وأخرجه النَّسائيُّ في (الجنائز) عن مُحَمَّد بن عبد الأعلى.
          قوله: (مَنْ تَرَدَّى) أي: أسقط نفسَه منه، وقال الكَرْمَانِيُّ: «تردَّى» إذا سقط في البئر.
          قوله: (وَمَنْ تَحَسَّى) بالمهملتين، مِن (باب تفعَّل) بالتشديد، ومعناه: تجرَّع، وأصله مِن حَسَوْتُ المرَقَ حَسْوًا، و«الحُسْوة» بالضمِّ، الجرعة مِنَ الشراب بقدر ما يحسى مَرَّةً واحدة، وبالفتح المرَّة.
          قوله: (يَجَأُ بِهَا) بفتح الياء وتخفيف الجيم وبعد الألف همزة، مِن وَجَأْتُه بالسكِّين؛ إذا ضربتَه، وأصل (يجأ) (يَوْجِئ) بكسر الجيم، فحُذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة، ثُمَّ فُتِحَت الجيم لأجل الهمزة، وقال ابن التِّين: في رواية الشيخ أبي الحسن: «يُجأ» بِضَمِّ أوَّله، ولا وجه لذلك، وإِنَّما يُبنى للمجهول بإعادة الواو، فيقال: يُوجَأ، ووقع في رواية مسلمٍ: (يتوجَّأ) على وزن (يتكبَّر) مِن (باب التفعُّل).
          قوله: (خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا) أي: في نار جهنَّم، و(جهنَّم) اسم لنار الآخرة، غير منصرف، إمَّا للعُجمَة والعلميَّة، وإمَّا للتأنيث والعلميَّة، والمراد بذلك إمَّا في حقِّ المستحلِّ، أو المراد المكث الطويل؛ لأنَّ المؤمن لا يبقى في النار خالدًا مؤبَّدًا، وحكى ابن التِّين عَن غيره: أنَّ هذا الحديث وَرَدَ في حقِّ رجلٍ بعينه كافرٍ، فحمله الناقل على ظاهره، وقال بعضهم: هو بعيدٌ.
          قُلْت: لا بُعدَ فيه، فما المانع مِن ذلك؟