عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب: أي ساعة يحتجم؟
  
              

          ░11▒ (ص) بابٌ: أَيَّ سَاعَةٍ يَحْتَجِمُ؟
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان أيِّ ساعةٍ يحتجم فيها، والمراد بـ(السَّاعَةِ) مطلق الزمان، لا الساعة المتعارفة.
          قوله: (أَيَّ) بدون التاء روايةُ الكُشْميهَنيِّ، وفي رواية غيره: <أيَّة ساعةٍ يحتجم؟> وقد جاء في القرآن {بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}[لقمان:34] ولم يقل: (بأيَّة أرضٍ) وقال الزَّمَخْشَريُّ: شبَّه سيبويه تأنيثَ «أيَّ» بتأنيث «كلٍّ» في قولهم: كلَّتهُنَّ، وقال الكَرْمَانِيُّ: غرض البُخَاريِّ _يعني: مِن هذه الترجمة_ أنَّهُ لا كراهة في بعض الأيام أو الساعات.
          قُلْت: وقت الحجامة في أيَّام الشهر لم يصحَّ فيه شيءٌ عنده؛ فلذلك لم يذكر حديثًا واحدًا مِنَ الأحاديث التي فيها تعيين الوقت؛ منها: ما رواه أبو داود مِن حديث سعيد بن عبد الرَّحْمَن الجُمَحِيِّ عن سُهَيل بن أبي صالحٍ عن أبيه عن أبي هُرَيْرَة: قال رسول الله صلعم : «مَن احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين؛ كان شفاءً مِن كلِّ داءٍ» وروى التِّرْمِذيُّ مِن حديث أنسٍ ☺ : أنَّ رسول الله صلعم كان يحتجِم في الأخدَعينِ والكاهل، وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين، وقال: حديثٌ حسنٌ، وروى أيضًا مِن حديث ابن عَبَّاسٍ ☻: قال رسول الله صلعم : «نِعْمَ العبدُ الحجَّام، يذهب بالدم، ويخفُّ الصلب، ويجلو عنِ البصر، وإنَّ خير ما تحتجمون فيه يوم سبعَ عشرة ويوم تسعَ عشرة ويوم إحدى وعشرين» وروى أَبُو نُعَيْمٍ الحافظ مِن حديث ابن عَبَّاسٍ مرفوعًا: «الحجامة في الرأس شفاءٌ مِن سبعٍ: الجنون والجُذام والبَرَص والنُّعاس ووجع الأضراس والصُّداع والظُّلمة يجدها في عينه»، ومِن حديث ابن عُمَر بسندٍ لا بأس به يرفعه: «الحجامة تزيد في الحفظ وفي العقل، وتزيد الحافظ حفظًا، فعلى اسمِ الله يوم الخميس ويوم الجمعة ويوم السبت ويوم الأحد ويوم الاثنين ويوم الثلاثاء، ولا تحتجموا يوم الأربعاء، فما ينزل مِن جنونٍ ولا جُذامٍ ولا بَرَصٍ إلَّا ليلةَ الأربعاء» وروى أبو داود مِن حديث سلمى خادمِ رسول الله صلعم : ما كان أحدٌ يشتكي إلى رسول الله صلعم وجعًا في رأسه إلَّا قال: «احتجِم» ولا وجعًا في رِجْلَيه إلَّا قالَ: اخضبْهما.
          (ص) واحْتَجَمَ أبُو مُوسَى لَيْلًا.
          (ش) (أبُو مُوسَى) عبد الله بن قيسٍ الأشعريُّ، وهذا التعليق رواه ابن أبي شَيْبَةَ عن هُشَيمٍ عن إسماعيل بن سالمٍ عن أبي بُرْدَةَ بن أبي موسى عن أبيه، وذكره البُخَاريُّ ليدلَّ على أنَّ الحجامة لا تتَعيَّن بوقتٍ مِنَ النهار أو الليل، بل يَجوز في أيِّ ساعةٍ شاء مِنَ الليل والنهار. /