عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب الإثمد والكحل من الرمد
  
              

          ░18▒ (ص) بابُ الإِثْمِدِ وَالْكُحْلِ مِنَ الرَّمَدِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان الْإِثْمِدِ؛ بكسر الهمزة وسكون الثاء المُثَلَّثة وكسر الميم وبالدال المهملة، وحُكِيَ ضمُّ الهمزة، وهو حجرٌ يُكتَحل به، وفي «المحكَم»: هو حجرٌ يُتَّخَذ منه الكحلُ، وقيل: هو نفسُ الكحل، وقد عطف البُخَاريُّ (الكُحْل) على (الإِثْمِدِ) فدلَّ على أنَّ الكحل غيرُ الإثمد، و(الإثمد) هو حجرٌ معروفٌ، يُكتَحل به بعد صَحْنِه كما ينبغي، و(الكحل) أعمُّ مِنه، يكون مِنَ الإثمد ومِن غيره، فعلى هذا يكون مِن باب عطف العامِّ على الخاصِّ.
          قوله: (مِنَ الرَّمَدِ) أي: مِن علَّة الرَّمد، وكلمة (مِن) تعليليَّةٌ، و(الرَّمَد) بفتحتين: ورمٌ حارٌّ يعرض في الطبقة المُلتحِمة مِنَ العين، وهو بياضُها الظاهر، وسببُه انصبابُ أحد الأخلاط، أو أبخرةٌ تصعد مِنَ المعدة إلى الدماغ، فإن اندفع إلى الخياشيم أحدَثَ الزُّكام، أو إلى العين أحدَثَ الرمَد، أو إلى اللهاة والمنخرين أحدث الخُنان _بالخاء المُعْجَمة والنون_ أو إلى الصدر أحدث النَّزلة، أو إلى القلب أحدَثَ الشَّوصَة، وإن لم ينحدر وطلب نَفَاذًا ولم يجد؛ أحدث الصُّداع.
          (ص) فِيه أُمُّ عَطِيَّةَ.
          (ش) أي: في هذا الباب حديثُ أمِّ عطيَّة، واسمها نُسَيبة بنت كعبٍ، وأشار بهذا إلى حديثِها الذي أخرجه في (كتاب الطلاق) في (باب القُسْط للحادَّة) أخرجه عن عبد الله بن عبد الوَهَّاب: حَدَّثَنَا حمَّاد بن زيدٍ عن أيُّوب عن حفصة عن أمِّ عطيَّة قالت: كنَّا نُنهى أن نُحِدَّ على ميِّتٍ فوق ثلاثٍ إلَّا على زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشرًا، ولا نكتحل... الحديث، وأخرج أيضًا بعده مِن حديثها، قالت: قال رسول الله صلعم : «لا يحلُّ لامرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر أن تُحدَّ فوق ثلاثٍ إلَّا على زوجٍ، لا تكتحل...» الحديث.
          فَإِنْ قُلْتَ: ليس في حديث أمِّ عطيَّة بطرقه ذكرُ الإثمد.
          قُلْت: كأنَّ البُخَاريَّ اعتمد على أنَّ الإثمدَ يدخل في غالب الأكحال لا سيَّما أكحال العرب، وأَمَّا ذكرُه والتنصيصُ عليه فكأنَّه لم يصحَّ على شرطه ذِكرُه، وقد ذكر ابن حِبَّان في «صحيحه» مِن حديث ابن عَبَّاسٍ: أنَّ رسول الله صلعم قال: «إنَّ خيرَ أكحالِكم الإثمد، يجلو البَصَر، ويُنبِتُ الشَّعَر» وعند التِّرْمِذيِّ محسَّنًا: «اكتحلوا بالإثمدِ، فَإِنَّهُ يجلو البَصَر، ويُنبِت الشَّعَر» وكان للنبيِّ صلعم مكحلةٌ يكتحل منها كلَّ ليلةٍ؛ ثلاثةً في هذه، وثلاثةً في هذه، وفي روايةٍ: وثنتين في اليُسرى، وفي «العِلَل الكبير» سألتُ مُحَمَّدًا عن هذا الحديث، فقال: هو حديثٌ محفوظٌ.