عمدة القاري في شرح صحيح البخاري

باب شرب السم والدواء به وبما يخاف منه والخبيث
  
              

          ░56▒ (ص) بابُ شُرْبِ السُّمِّ وَالدَّوَاءِ بِهِ وَبِمَا يُخَافُ مِنْهُ وَالخَبِيْثِ.
          (ش) أي: هذا بابٌ في بيان شرب السمِّ... إلى آخره، وأبهم الحكم اكتفاءً بما يفهم مِن حديث الباب، وهو عدم جوازه؛ لأنَّه يفضي إلى قتل نفسه.
          فَإِنْ قُلْتَ: أخرج ابن أبي شَيْبَةَ وغيره: أنَّ خالد بن الوليد ☺ لمَّا نزل الحيرة قيل له: احذر السمَّ لا يسقيكه الأعاجمُ، فقال: ائتوني به، فَأَتَوْه به فأخذه بيده، ثُمَّ قال: بسم الله، واقتحمه، فلم يضرَّه.
          قُلْت: وقع هكذا كرامة لخالدٍ، فلا يُتَأسَّى به، ويؤكِّد عدم جوازه حديث أبي هُرَيْرَة ☺ .
          قوله: (وَالْدَّوَاءِ بِهِ) أي: وفي بيانِ التداوي به، وهو أيضًا لا يجوز؛ لقوله صلعم : «إنَّ الله لم يَجعل شفاءكم فيما حرَّم عليكم».
          قوله: (وَبِمَا يُخَافُ مِنْهُ) عطفٌ على الجارِّ والمجرور؛ أعني قوله: (بِهِ) وإِنَّما جاز لإعادة الجارِّ، وفي بعض النُّسَخ: <وما يخاف> بدون حرف الباء، فعلى هذا يكون عطفًا على لفظ (السمِّ) وهو بِضَمِّ الياء على صيغة المجهول، وقال بعضهم: وقال الكَرْمَانِيُّ: يجوز فتحه.
          قُلْت: لم يذكر الكَرْمَانِيُّ شيئًا مِن ذلك، والمعنى بما يخاف به مِن الموت أو استمرار المرض.
          قوله: (وَالْخَبِيثِ) أي: والدواء الخبيث، ويقع هذا بوجهين؛ أحدهما: مِن جهة نجاسته كالخمر ولحم الحيوان الذي لا يُؤكَل، والآخر: مِن جهة استقذاره، فتكون كراهته لإدخال المشقَّة على النفس، قاله الخَطَّابيُّ، وقد ورَدَ النهي عَن تناول الدواء الخبيث، أخرجه أبو داود والتِّرْمِذيُّ، وصحَّحه ابن حِبَّان.