مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما يجوز من اللو

          ░9▒ باب ما يجوز من اللو
          وقول الله: {لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً...} [هود:80].
          فيه حديث القاسم بن محمد، قال: ذكر ابن عباس المتلاعنين: الحديث.
          وحديث عمرو، عن عطاء: أعتم النبي صلعم بالعشاء الحديث.
          قال ابن جريج: عن عطاء، عن ابن عباس أخر النبي صلعم هذه الصلاة... الحديث.
          وقال عمرو: ثنا عطاء ليس فيه ابن عباس ثم ساق اختلافهم.
          وحديث أبي هريرة: ((لولا أن أشق على أمتي)).
          ثم قال: ثنا عياش بن الوليد، وهو بمثناه تحت وشين معجمة وهو أبو الوليد الرقام من أفراده، أما عباس بالموحدة والمهملة ابن الوليد النرسي فاتفقا عليه.
          ثم ساق (خ) في الباب حديث عائشة: ((لولا أن قومك حديث عهد بالجاهلية)).
          وحديث أبي هريرة: ((لولا الهجرة)).
          وقد أسلفنا مدلول لو، ونزل أحاديث الباب عليه.
          وجواب ((لو)) في الآية محذوف، كأنه قال: لحلت بينكم وبين ما جئتم له من الفساد، وحذفه أبلغ؛ لأنه يحصر النفي ضروب المنع.
          فإن قلت: لم قال: {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود:80] مع أنه يأوي إلى الله تعالى؟
          فالجواب: إنه إنما أراد العدة من الرجال، وإلا فله ركن وثيق مع معونة الله ونصره، وتضمنت الآية البيان عما يوجبه حال المحق إذا رأى منكراً لا يمكنه إزالته مع التحسر على قوة أو معين على دفعه بحرصه على طاعة ربه وجزعه من معصيته، فامتنع من الانتقام من قومه؛ لامتناع من يعينه على ذلك.
          وامتنع من رجم المرأة؛ لامتناع وجود البينة، وكذلك امتنع من معاقبتهم بالوصال؛ لامتناع امتداد الشهر، ومثله: ((لو سلك الناس واديا لسلكت وادي الأنصار)).
          قال المهلب: وإنما قال ذلك تأنيساً لهم؛ ليغبطهم بحالهم وإنها مرضية عندهم وعند ربهم، لكنه أعلم أنه امتنع من أن يساويهم في حالهم؛ لوجود الهجرة التي لا يمكنه تركها، وامتناعه من الأمر فيما سلف لوجود المشقة عليهم عند امتثالهم أمره.
          قوله: (لولا أن قومك..) إلى آخره / ، امتنع من هدمه وبنائه على قواعد إبراهيم من أجل الإنكار الحاصل لذلك.
          فإن قلت: فقد روى ابن عيينة عن ابن عجلان، عن الأعرج، عن أبي هريرة أنه ◙ قال: ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز فإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)).
          فنهى عن لو في هذا الحديث، وهو معارض لما جاء في إباحة ((لو)) من الكتاب والسنة المروية في ذلك.
          فالجواب: لا تعارض بالنهي عن ((لو)) معناه: لا تقل: إني لو فعلت كذا لكان كذا على القضاء والحتم، فإنه كائن لا محالة فأنت غير مضمر في نفسك شرط مشيئة الله، التي قد نهى عنه؛ لأنه سبق في علم الله كل ما يناله المرء، قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [الحديد:57].
          فأما إذا كان قائله ممن يوثق بأن الشرط إذا وجد لم يكن المشروط إلا بمشيئة الله، وإرادته بذلك هو الصحيح من القول.
          وقال الصديق لرسول الله وهو في الغار: لو أن أحدهم رفع قدمه أبصرنا الحديث.
          ولم ينكر ذلك عليه إذ كان عالماً بمخرج كلامه، وإنما قال ذلك على ما جرت به العادة، واستعمله الناس على الأغلب كونه عند وقوع السبب الذي ذكره، وإن كان قد كان جائزاً أن يرفع جميع المشركين الذين كانوا فوق الغار أقدامهم ثم ينظروا، فيحجب الله أبصارهم عن رسوله وعن صاحبه فلا يراهما منهم أحد، وكان جائز أن يحدث الله عمًى في أبصارهم فلا يبصرونهما، مع أسباب غير ذلك كثيرة، وأن الصديق لم يقل ذلك إلا على إيمان منهم بأنهم لو رفعوا أقدامهم لم يبصروه إلا أن يشاء الله، فهذا مفسر لهذا الحديث واف للتعارض في ذلك.
          قال والدي ⌂:
          (باب كراهية تمني لقاء العدو).
          قوله: (معاوية) ابن عمرو الأزدي البغدادي، و(أبو إسحاق) هو إبراهيم بن محمد الفزاري بفتح الفاء وخفة الزاي، و(موسى بن عقبة) بسكون القاف، و(سالم) أبو النضر بسكون المعجمة، و(إليه) أي: عمر بن عبيد الله القرشي، و(عبد الله بن أبي أوفى) بسكون الواو وبالفاء مقصوراً الأسلمي.
          وفيه دلالة على جواز الرواية بالكتابة دون السماع.
          و(العافية) أي: السلامة من المكروهات والبليات في الدنيا والآخرة.
          فإن قلت: تمني القتال في سبيل [الله] غير مكروه؟ قلت: كرهه من جهة الوثوق على قوته والإعجاب بنفسه ونحو ذلك.
          قوله: (ما يجوز من لو) وفي بعضها: اللو بالتشديد لما أرادوا إعرابها جعلوها اسماً بالتعريف ليكون علامة لذلك، وبالتشديد ليصير متمكناً قال الشاعر:
ألامُ على لو ولو كنت عالماً                     بأذناب لو لم تفتني أوائله
          قوله: (أبو الزناد) بالنون عبد الله، و(المتلاعنين) أي: قصتهما، و(عبد الله بن شداد) بفتح المعجمة وشدة المهملة الأولى، و(لو كنت) جزاؤه محذوف أي لرجمتها وهي الملاعنة أي جاءت بالواو مشبهاً بالرجل المتهم بالزنا بها، و(أعلنت) أي السوء في الإسلام مر في اللعان.
          قوله: (عمرو) أي: ابن دينار، و(عطاء ابن أبي رباح) بتخفيف الموحدة والحديث مرسل؛ لأنه تابعي وليس في روايته ذكر ابن عباس، و(أغنم) أي: أبطأ أو احتبس أو دخل في ظلمة الليل والصلاة منصوب على الإغراء ومرفوع، و(أشق) بضم الشين أثقل عليهم وأدخلهم في المشقة كما جاء في بعض الروايات لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بتأخير العشاء إلى الثلث، و(للوقت) بفتح اللام أي: لولا أن أشق عليهم لحكمت بأن هذه الساعة هي وقت صلاة العشاء.
          قوله: (ابن المنذر) بكسر الخفيفة المعجمة إبراهيم، و(معن) بفتح الميم وإسكان المهملة وبالنون ابن عيسى القزاز بالقاف وتشديد الزاي الأولى، و(محمد بن مسلم) بفاعل الإسلام الطائفي، و(جعفر بن ربيعة) بفتح الراء الكندي، و(عبد الرحمن) هو الأعرج، و(لأمرتهم) أي: أمر إيجاب إذ الأمر الندبي حاصل اتفاقاً.
          فإن قلت: / عقد الباب على لو وفي الحديث لولا وَلَو لامتناع الشيء لامتناع غيره، ولولا لامتناع الشيء لوجود غيره فبينهما بون بعيد؟ قلت: مآله إلى لو إذ معناه لو لم تكن المشيئة لأمرتهم ويحتمل أن يقال أصله لو زيد لا عليه.
          قوله: (عياش) بتشديد التحتانية وبإعجام الشين ابن الوليد الرقام البصري، و(عبد الأعلى) ابن عبد الأعلى، و(حميد) بالضم تارة يروي عن أنس بلا واسطة وأخرى بالواسطة، و(الأناس) هو الناس.
          فإن قلت: فما معناه؟ قلت: التنوين للتبعيض كما قال الزمخشري في قوله تعالى: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} [الإسراء:1] أو للتعليل كما في قوله تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ} [التوبة:72]، وقد نهى صلعم عن الوصال فهم حملوه على نهي التنزيه وأحبوا موافقته فواصلوا فقال: لولا أن الشهر كمل لزدت في الوصال بحيث تعجزون عنه ويتركون تعمقهم في أمثاله.
          قوله: (سليمان بن المغيرة) البصري سيد أهلها مات سنة خمس وستين ومائة.
          فإن قلت: في هذه الرواية أظل فكيف صح الصيام مع الإطعام بالنهار وفي الذي بعده أبيت فكيف صح الوصال؟ قلت: الغرض من الإطعام لازمه وهو التقوية.
          و(كالمنكل) أي: كالمعذب لهم مر في كتاب الصوم.
          قوله: (أبو الأحوص) بالمهملتين والواو سلام بالتشديد، و(أشعث) بالمعجمة والمهملة والمثلثة ابن أبي الشعثاء بلفظ مؤنثه الكوفي، و(الأسود بن يزيد) بالزاي، و(الجدر) بفتح الجيم يعني: الحجر بكسر الحاء ويقال له الحطيم أيضاً أهو من الكعبة أم لا؟ وهو مطلق ليس مخصوصاً بستة أذرع ونحوها، و(ما لهم) في بعضها: ما بالهم، و(قومك) في بعضها: قومي، و(النفقة) آلات العمارة من الحجر وغيره ولم يريدوا أن يضيفوا إليها من خارج ما كان في زمان إبراهيم ◙ فيه.
          و(حديث) أي: جديد، و(أدخل) بماضي المجهول ومعروف المستقبل وأما أن فالروايات بالفتح فيها وجواب لولا محذوف أي: لفعلت مر مبسوطاً في الحج.
          قوله: (لولا الهجرة) قال محيي السنة: ليس المراد منه الانتقال عن النسب الولادي؛ لأنه حرام مع أنه أفضل الأنساب وإنما أراد النسب البلادي أي: لولا أن الهجرة أمر ديني وعبادة مأمور بها لانتسبت إلى داركم والغرض منه التعريض بأن لا فضلية أعلا من النصرة بعد الهجرة، وبيان أنهم بلغوا من الكرامة مبلغاً لولا أنه من المهاجرين لعد نفسه من الأنصار.
          قوله: (شعبا) بكسر المعجمة الطريق في الجبل وما انفرج بين الجبلين، و(الأنصار) هم الصحابة المدنيون الذين آووا ونصروا؛ أي: أتابعهم في طرائقهم ومقاصدهم في الخيرات والفضائل مر الحديث في مناقب الأنصار.
          قوله: (موسى) أي: التبوذكي بفتح الفوقانية وضم الموحدة وبالواو وفتح المعجمة، و(وهيب) مصغراً ابن خالد، و(عمرو بن يحيى) المازني الأنصاري، و(عبادٌ) بالفتح وشدة الموحدة ابن تميم بن زيد سمع عن عمه عبد الله بن زيد المدني الأنصاري المازني، و(أبو التياح) بفتح الفوقانية وتشديد التحتانية وبالمهملة يزيد من الزيادة الضبعي بضم المعجمة وفتح الموحدة وبالمهملة، و(في الشعب) أي: لم يذكر هو الوادي.
          وفيه فضيلة الأنصار وأفضلية المهاجرين ♥.
          الزركشي:
          (باب ما يجوز من اللو) يريد قول غير الراضي لما أراد الله: لو كان كذا كان كذا، فأدخل على ((لو)) الألف واللام التي للعهد، وذلك غير جائز عند أهل العربية إذ ((لو)) حرف، وهما لا يدخلان على الحروف، كذا قاله القاضي.
          وهو عجيب فإن الحروف يجوز أن يسمى بها وتجري مجرى الأسماء في الإخبار عنها وقبول علامات الاسم، / فأصل ((لو)): حرف امتناع، فإذا سمي بها زيد فيها واو أخرى ثم أدغمت وشددت.
          ثم قال القاضي: الذي يفهم من ترجمة (خ) وما ذكره في الباب من الأدلة أنه يجوز استعمال ((لو))، و((لولا)) فيما يكون للاستقبال مما امتنع فعله لوجود غيره، وهو من باب ((لو)) لأنه لم يدخل في الباب سوى ما هو للاستقبال أو ما هو حق صحيح متيقن دون الماضي والمنقضي أو ما فيه اعتراض على الغيب والقدر السابق.
          (تلك امرأة أعلنت) أي: أظهرت الفاحشة.
          (لو مد بي الشهر) بضم الميم وتشديد الدال، وبعده الجار والمجرور، ويروى: ((مدني)) بفتح الميم والدال وبعده نون.
          (وصالا يدع المتعمقون تعمقهم) بضم العين وفتحها من قولهم: عمق النظر في الأمور تعميقاً، وتعمق في كلامه، أي: تنطع.
          (ويسقين) بتخفيف النون المكسورة.