مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب تمني الخير

          ░2▒ باب تمني الخير، وقول النبي صلعم: ((لو كان لي أحد ذهبا))
          ثم ذكر حديث أبي هريرة بلفظ: ((لو كان [عندي] أحد ذهباً لأحببت أن لا يأتي [علي] ثلاث)).
          فيه أيضاً تمني الخير وأفعال البر؛ لأنه ◙ تمنى لو كان مثل أحد ذهباً لأحب أن ينفقه في الطاعة قبل أن يأتي عليه ثلاث، قال: وقد تمنى الصالحون ما يمكن كونه وما لا يمكن حرصاً منهم على الخير، فتمنى بنو الزبير منازل من الدنيا؛ لينفذ أقوالهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
          وروي أن عبد الله وعروة ومصعباً بنو الزبير بن العوام اجتمعوا عند الكعبة، فقال عبد الله: أحب أن لا أموت حتى أكون خليفة بالحجاز، وقال مصعب: أحب أن لا أموت إلى أن ألي العراقين: الكوفة والبصرة، وأتزوج سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة، وقال عروة: لكني أسأل الله الجنة، فصار عبد الله ومصعب إلى ما تمنيا ونرجو أن عروة صار إلى الجنة إن شاء الله تعالى.
          وروي بدله ابن عمر، / ويروى أنه كان معهم بدل عروة عبد الملك بن مروان، وتمنى أن لا يميته حتى يوليه شرق الأرض وغربها ولا ينازعه أحد إلا أتى برأسه.
          وما تمنوه مما لا سبيل إلى كونه تصغيراً لأنفسهم وتحقيراً لأعمالهم، فتمنوا أنهم لم يخلقوا وأنهم أقل الموجودات، تمنى الصديق أن يكون بحفرة تأكله الذئاب، وتمنى عمر أن يكون تبنة من الأرض فقال: يا ليتني كنت هذه، ليتني لم أك شيئاً، ليت أمي لم تلدني، ليتني كنت نسياً منسيًّا، وقرأ عمر: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} [الإنسان:1]، فقال: يا ليتها تمت(1).
          قال عمران بن حصين: وددت أني رماد على أكمة تسفيني الرياح في يوم عاصف.
          وقال أبو ذر: وددت أن الله خلقني شجرة تقضم.
          ومرت عائشة بشجرة فقالت: يا ليتني كنت ورقة من هذه الشجرة.
          وقال أبو عبيدة: وددت أني كبش فيذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويحسون مرقي.
          وإنما حملهم على ذلك شدة الخوف من المسائلة والعرض عليه، وعلى قدر العلم بالله تكون الخشية منه، ولذلك قال الفضيل: من مقت نفسه في الله آمنه الله من مقته(2)(3).


[1] في المخطوط: ((مت)) ولعل الصواب ما أثبتناه.
[2] في المخطوط: ((وقته)) ولعل الصواب ما أثبتناه.
[3] في هامش المخطوط: ((أقول: قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} أي: إنما يخشى حق الخشية العلماء)).