مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: قول الرجل: لولا الله ما اهتدينا

          ░7▒ باب قول الرجل: لولا الله ما اهتدينا
          فيه حديث البراء بن عازب قال: كان النبي صلعم ينقل معنا التراب يوم الأحزاب الحديث.
          البراء بن عازب هذا هو ابن الحارث بن عدي الأنصاري الأوسي أبو عمارة غزا مع رسول الله خمس عشرة غزوة وأول مشاهده أحد وقيل: الخندق وافتتح الري سنة أربع وعشرين في قول أبي عمرو الشيباني وشهد مع علي الجمل وصفين والنهروان، ونزل الكوفة وهو من الأفراد، مات بالكوفة أيام مصعب بن الزبير بعد السبعين.
          ولولا لفظة يمتنع بها الشيء لوجود غيره، فوجود الهدى يمنع وقوع الضلال، وذلك من فعل الله بعباده، فلا يفعل العبد الطاعة ولا يجتنب المعصية إلا بقدر الله وقضائه على العبد.
          قال والدي ⌂:
          (كتاب التمني) قال علماء المعاني الطلب فيه بالذات وهو نوع من أنواع الطلب، وقال آخرون: الطلب فيه بالغرض والطلب الذاتي إنما هو في الأمر والنهي فقط، ثم قالوا الفرق بينه وبين الترجي أنه أعم منه إذ هو لا يستدعي أن يمكن وهو أيضاً أعم من أن يستدعي أن لا يمكن والترجي يستدعي أن يمكن أي: هو مستعمل في الممكنات والممتنعات والترجي لا يستعمل إلا في الممكنات.
          قوله: (سعيد بن عفير) مصغر عفر بالمهملة والفاء والراء، و(عبد الرحمن بن خالد) بن مسافر الفهمي بفتح الفاء، و(بيده) هو من المتشابهات والأمة في أمثالها طائفتان مفوضة ومؤولة، و(ما تخلفت) أي: عن سرية.
          فإن قلت: الفرار إنما هو على الحياة فلم جعل النهاية هي القتل؟ قلت: المقصود منه الشهادة فختم الحال عليه أو أن الإحياء للجزاء معلوم فلا حاجة إلى تمنيه لأنه ضروري الوقوع.
          فإن قلت: من أين يستفاد التمني في الحديث؟ قلت: من لفظ وددت إذ التمني أعم من أن يكون بحرف ليت ويحتمل الاستفادة من لولا إذ حاصله تمني عدم التخلف.
          قوله: (يقولهن) أي: كلمة أقتل ثلاثاً.
          فإن قلت: في الرواية السابقة أربع مرات؟ قلت: لا منافاة إذ مفهوم العدد لا اعتبار له ويحتمل أن يكون أشهد لله بدلاً من الضمير فمعناه كان يقول ثلاث مرات أشهد لله أنه صلعم قال ذلك وفائدته التأكيد.
          وظاهره أنه كلام الراوي عن أبي هريرة إني أشهد لله أن أبا هريرة كان يقول كلمات أقتل ثلاث مرات، وإن صح الرواية بلفظ المجهول فهو من تتمة حديث رسول الله صلعم / أي: أقتل شهيداً في سبيل الله وكان أبو هريرة يقولهن ثلاثاً جملة معترضة مر الحديث في الإيمان.
          قوله: (إسحاق بن نصر) بسكون المهملة، و(أحد) منصرف، و(أرصده) من الرصد ومن الإرصاد وضمير (يقبله) إما راجع إلى الدنيا وإما إلى الدين والجملة حال مر في الزكاة.
          فإن قلت: الحديث لا يوافق الترجمة؛ لأن لو تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره لا للتمني؟ قلت: لو بمعنى أن لمجرد الملازمة ومحبة كون الواقع واقعاً هو نوع من التمني فغايته أن هذا تمن على هذا التقدير، قال السكاكي: الجملة الجزائية جملة خبرية مقيدة بالشرط فعلى هذا هو تمن بالشرط.
          قوله: (لو استقبلت) أي: لو علمت في أول الحال ما علمت آخراً من جواز العمرة في أشهر الحج ما سقت معي الهدي أي ما قارنت أو ما أفردت، و(تحللت) أي: لتمتعت وذلك لأن صاحب الهدي لا يمكن له الإحلال حتى يبلغ الهدي محله.
          فإن قلت: فيه إشعار بأن التمتع أفضل؟ قلت: لا إذ كان الغرض إرادة مخالفة أهل الجاهلية حيث قالوا العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور مر في الحج.
          قوله: (يزيد) من الزيادة ابن زريع مصغر الزرع، و(حبيب) ضد العدو المعلم المزني بالزاي والنون البصري، و(لبينا بالحج) أي: كنا مفردين فأمرنا بالتمتع إلا صاحب الهدي.
          و(طلحة بن عبيد الله) أحد العشرة المبشرة، و(قالوا) أي: الصحابة المأمورون بالإحلال، و(يقطر منيا) بسبب قرب عهدنا بالجماع.
          قوله: (سراقة) بضم المهملة وخفة الراء وبالقاف ابن مالك الكناني بالنونين، و(هذه) أي العمرة في شهور الحج أو المقارنة أو الفعلة من فسخ الحج إلى العمرة أي المتعة، و(البطحاء) أي: المحصب، و(أنطلق بحجة) دليل على أنها كانت مفردة.
          قوله: (خالد بن مخلد) بفتح الميم واللام، و(عبد الله) بن عامر بن ربيعة بفتح الراء العنزي بفتح المهملة والنون وبالزاي، و(أرق) أي: سهر وتنبه، و(ذات ليلة) لفظ الذات مقحم، و(سعد) أي: ابن أبي وقاص.
          فإن قلت: لم احتاج إلى الحراسة وقال تعالى: {وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67]؟ قلت: لعله كان قبل نزول الآية أو المعنى من إضلال الناس لك في الدين.
          فإن قلت: هو رئيس المتوكلين؟ قلت: التوكل ترتيب الأسباب بتفويض الأمر إلى مسبب الأسباب يعني يرتب السبب ولا يرى ترتب المسبب عليه منه بل يرى ذلك من الله تعالى كما قال قيدها وتوكل فهذا نفس التوكل.
          و(الغطيط) بفتح المعجمة صوت النائم ونفخه، و(أبو عبد الله) هو (خ)، و(قالت عائشة) هو تعليق منه، و(الإذخر) حشيش طيب الرائحة، و(الجليل) بفتح الجيم الثمام.
          قوله: (في اثنين) في بعضها: اثنتين أي: خصلتين فالمضاف محذوف من رجل أي خصلة رجل، و(لفعلت) أي: لقرأت أولاً ولأنفقت ثانياً.
          فإن قلت: هذا غبطة لا حسد؟ قلت: معناه لا حسد إلا فيهما ولكن هذان لا حسد فيهما فلا حسد كقوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [الدخان:56] مر الحديث في كتاب العلم.
          قوله: (ما يكره من التمني) أي: هو نوعان محمود كتمني تلاوة القرآن ونوع مكروه كتمني الموت، و(الحسن بن الربيع) بفتح الراء البجلي، و(أبو الأحوص) بالمهملتين وبالواو سلام بالتشديد، و(عاصم) ابن سليمان الأحول، و(النضر) بسكون المعجمة ابن أنس بن مالك، و(لا تتمنوا) في بعضها: بحذف إحدى التائين، و(محمد) هو ابن سلام مخففاً ومشدداً وعبدة ضد الحرة ابن سليمان، و(إسماعيل) ابن أبي خالد، و(قيس) هو ابن أبي حازم بالمهملة والزاي، و(خباب) بفتح المعجمة وشدة الموحدة الأولى ابن الأرت بفتح الراء وشدة المثناة، و(اكتوى) أي: [في] بطنه.
          فإن قلت: الكي منهي عنه؟ قلت: ذاك عند عدم الضرورة أو عند اعتقاد أن الشفاء منه ونحوه.
          قوله: (أبو عبيد) مصغر ضد الحر اسمه: سعد مولى عبد الرحمن بن الأزهر مر في الصوم، و(يستعتب) أي: يسترضي الله بالتوبة وهو مشتق من الاستعتاب الذي هو طلب الإعتاب والهمزة للإزالة أي: يطلب إزالة العتاب وهو على غير قياس إذ الاستفعال إنما ينبني من الثلاثي لا من المزيد فيه.
          قوله: (أبو إسحاق) عمرو السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة، و(البراء) بالتخفيف والمد ابن عازب بالمهملة والزاي، و(يوم الأحزاب) / أي: يوم إجماع قبائل العرب على قتال رسول الله صلعم وهو يوم الخندق؛ لأن في ذلك الوقت حفر الخندق، و(بطنه) في بعضها إبطيه، و(أنزلن) بالنون الخفيفة للتأكيد، و(السكينة) الوقار والطمأنينة، و(الأولى) أي: الذين وربما قال إن الملأ وفي باب الرجز من كتاب الجهاد إن الأعداء، و(بغوا) أي: ظلموا، و(أبينا) من الإباء.
          وأما ما يتعلق به من أنه شعر أم لا، وكيف نطق به رسول الله صلعم؟ فقد استوفينا حقه في الجهاد في ما قال: هل أنت إلا أصبع دميت، وكلمة أبينا هاهنا مكررة.
          الزركشي:
          (أن يتخلفوا بعدي) أي: يتأخروا.
          (لو كان عندي أحد ذهباً لأحببت أن لا يأتي ثلاث وعندي منه دينار ليس شيئاً أرصده في دينٍ علي أجد من يقبله) كذا للأصيلي ((شيئا)) بالنصب، ولغيره بالرفع، وقد وقع في هذا المتن تغيير بالتقديم والتأخير اختل به الكلام، وأصله: ((وعندي منه دينار أجد من يقبله ليس شيئاً أرصده لدين)) ففصل بين الموصوف وهو دينار وصفته وهو قوله: ((أجد)) بالمستثنى.
          و(غطيطه) بالغين المعجمة: ما يسمع من نفخ النائم.
          (لا تحاسد إلا في اثنتين رجل) بالجر والرفع والنصب.
          (إما محسناً فلعله يزداد، وإما مسيئاً فلعله يستعتب) انتصب بخبر كان محذوفة، وأصله إما أن يكون محسناً وإما أن يكون مسيئاً، فحذف يكون مع اسمها مرتين وأبقى الخبر، وأكثر ما يكون ذلك بعد ((أن))، و((لو)) في فلعله.
          (يزداد ويستعتب) شاهد على مجيء ((لعل)) للرجاء المجرد من التعليل، وأكثر مجيئها للرجاء إذا كان معه تعليل كقوله تعالى: {وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200] و{لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ} [يوسف:46].
          ويعنى (يستعتب): يطلب أن يرضى عنه، كاسترضيته، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (لو أوهب عند أبي إسحاق) لو أهب بغير واو فيها، وعند صاحبيه يراد فيهما وللناجي كما في الأصل للجميع.
          قوله: (لا تمنوا الموت) لتمنيت قيل: يجوز عند خوف ذهاب العين ومنه قول مريم: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا} [مريم:23] لما خافت على نفسها أن يظن بها السوء في دينها، وقد قال رسول الله صلعم: ((اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، وإذا أردت في الناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون))، وقد أسلفنا تمني بعض الصحابة وغيرهم الموت وغيره.
          أقول: وقد نقل عن (خ) ☺ أنه تمنى الموت آخر عمره حين خاف فتنة تحصل بسببه في أهل بلاده.
          قوله: (يستعتب) أي: يعترف ويلزم نفسه على ما كان منه.