مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب الكفارة قبل الحنث وبعده

          ░10▒ باب الكفارة قبل الحنث وبعده
          فيه حديث إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب.. إلى آخره.
          تابعه حماد بن زيد.. إلى آخره.
          ثم ساق حديث عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله صلعم: / ((لا تسأل الإمارة)) الحديث تابعه سهيل بن حاتم وتابعه يونس.. إلى آخره.
          قوله: تابعه حماد بن زيد، يعني بالمتابع ابن علية، عن أيوب.
          وحديث أبي أيوب أخرجه (خ) أول الكتاب.
          والإمارة بكسر الهمزة الإمرة، وبفتحها: العلامة.
          واختلف في جواز الكفارة قبل الحنث، فقال ربيعة ومالك والثوري والليث والأوزاعي: يجزئ قبل الحنث، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور، وروي مثله عن ابن عباس وعائشة وابن عمر.
          وقال الشافعي: يجوز تقديم الرقبة والكسوة والطعام قبل الحنث، ولا يجوز تقديم الصوم. وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تجزئ الكفارة قبل الحنث، ولا سلف لأبي حنيفة فيه، واحتج له الطحاوي بقوله تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة:89] والمراد: إذا حلفتم فحنثتم، ولم يذكر (خ) في حديث أبي موسى ولا في حديث سمرة في هذا الباب تقديم الكفارة على الحنث(1)، وقد ذكر في باب: الاستثناء في الأيمان، في أول كتاب الأيمان، وهو قوله: ((إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير))، أو ((أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني)).
          وقال ابن المنذر: قد قال بعض أصحابنا أنه ليس في اختلاف ألفاظ هذه الأحاديث إيجاب لتقديم أحدهما على الآخر، إنما أمر الحالف بأمرين: أمر بالحنث والكفارة، فإذا أتى بهما جميعاً فقد أطاع، وفعل ما أمر به، كقوله تعالى: {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [البقرة:196] فأيهما قدم على الآخر فقد أتى بما عليه، كذلك إذا أتى بالذي هو خير وكفر، فقد أتى بما عليه.
          قال ابن القصار: وقد رأى جواز تقديمها على الحنث أربعة عشر صحابيًّا وهم: ابن مسعود، وعائشة، وابن عباس، وابن عمر، وأبو الدرداء، وأبو أيوب، وأبو موسى، وأبو مسعود، وحذيفة، وسلمان، ومسلمة بن مخلد، والزبير، ومعقل، ورجل لم يذكر، وبعدهم من التابعين: سعيد بن المسيب، وعطاء، وطاوس، وسعيد بن جبير، والحسن، وابن سيرين، وعلقمة، والنخعي، والحكم بن عتيبة، ومكحول، فهؤلاء أعلام أئمة الأمصار، ولا نعلم لهم مخالفاً إلا أبا حنيفة على أنه يقول ما هو أعظم من تقديمها، وذلك لو أن رجلاً أخرج عشراً من الظباء من الحرم، فولدت له أولاداً ثم ماتت في يده هي وأولادها أن عليه الجزاء عنها وعن أولادها، وإن كان حين أخرجها أدى جزاءها ثم ولدت أولاداً ثم ماتت لم يكن عليه فيها ولا في أولادها شيء، ولا شك أن الجزاء الذي أخرجه عنها وعن أولادها كان قبل أن تموت هي وأولادها، ومن قال هذا لم ينبغي له أن ينكر تقديمها قبل الحنث.
          وأما قوله تقدير الآية: فحنثتم، فتقديرها عندنا: ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم وأردتم الحنث.
          وأما قول الشافعي: لا يجوز تقديم الصيام على الحنث. فيرد عليه قوله ◙: ((فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير)) ولم يخص شيئاً من جنس الكفارة في جواز التقديم. فإن قال: إن الصوم من حقوق الأبدان ولا يجوز تقديمها قبل وقتها كالصلاة والعتق والكسوة والإطعام من حقوق الأموال، فهي كالزكاة يجوز تقديمها، قيل له: ليس كل حق يتعلق بالمال يجوز تقديمه قبل وقته؛ ألا ترى كفارة القتل وجزاء الصيد لا يجوز تقديمه قبل وجوبه؛ فكذلك يجوز تقديمها صيامها.
          قال الأبهري: وأما جواز تقديم ذلك من طريق النظر؛ فلأن عقد اليمين لما كان يحله الاستثناء إذا اتصل، وإنما هو قول كانت الكفارة بأن تحل عقد اليمين أولى؛ لأنها أقوى؛ لأنها ترفع حكم الحنث حتى كأنه / لم يكن، ويشبهه الإطعام وما بعده، فالزكاة يجوز تقديمها فلا نسلم له؛ لأنها لما كان وجوبها معلقاً بوقت لم يجز تقديمها، كما لا يجوز في الصلاة والصيام، ووقت الكفارة غير معلق بوقت، وإنما هو على حسب ما يريده المكفر من الحنث، فكان فعلها جائزاً قبل الحنث وبعده.
          قال والدي ⌂:
          (باب عتق المدبر).
          قوله: (أبو النعمان) بضم النون محمد، و(عمرو) هو ابن دينار واسم الرجل أبو مذكور بالمعجمة واسم المملوك يعقوب والمشتري هو نعيم مصغر النعم النحام بالنون والمهملة ولقب به لأنه صلعم قال ((سمعت نحمة نعيم)) أي سعلته في الجنة ليلة الإسراء(2) وفي النسخ نعيم بن النحام بزيادة ابن والصواب عدمه، و(القبطي) بكسر القاف وسكون الموحدة أي: من أهل مصر.
          فإن قلت: كيف دل على الترجمة؟ قلت: إذا جاز بيع المدبر جاز إعتاقه وقاس الباقي عليه، وقال أبو ثور يجزي المكاتب عن الكفارة وإن أدى بعض النجوم وقال إبراهيم والشعبي: لا يجزي عتق ولد الزنا عنها وللفقهاء في هذه الإعتاقات اختلاف.
          قوله: (باب إذا أعتق عبدا بينه وبين آخر) أي: عبداً مشتركاً.
          فإن قيل: أين حديثه وما المترجم عنه وما فائدة ذكر مثل هذا الباب؟ قلت: قالوا أن (خ) ترجم الأبواب وخلى بياضاً بين ترجمة وترجمة ليلحق الحديث بها فلم يجد حديثاً بشرطه يناسبها أو لم يف عمره بذلك وقيل بل أشار به إلى أن ما نقل فيه من الأحاديث ليس(3) بشرطه.
          قوله: (الحكم) بفتحتين ابن عتبة مصغر عتبة الدار، و(بريرة) بفتح الموحدة، و(اشترطوا) أي: قالوا نبيعها بشرط أن يكون ولاؤها للبائع.
          قوله: (غيلان) بفتح المعجمة وسكون التحتانية ابن جرير بفتح الجيم، و(أبو بردة) بضم الموحدة وسكون الراء، و(استحمله) أي: أطلب منه ما يحملنا وأثقالنا، و(الشائل) بالمعجمة والهمزة بعد الألف؛ أي: قطيع من الإبل.
          الخطابي: جاء بلفظ الواحد والمراد به الجمع كالسامر يقال ناقة شائل إذا قل لبنها وأصله من شال الشيء إذا ارتفع يعني: بذلك ارتفاع ألبانها، وفي بعض الروايات شوائل جمع شائل مر الحديث مراراً وفي بعضها بابل.
          فإن قلت: أين الاستثناء؟ قلت: لفظ إن شاء الله ويطلقون على مثل هذا الشرط الاستثناء؛ لأن مآلهما واحد، وفائدة ذكر طريق أبي النعمان بيان التخيير بين تقديم الكفارة على الحنث وتأخيرها عنه أو هو شك للراوي.
          قوله: (هشام بن حجير) مصغر الحجر بالمهملة والجيم والراء المكي، لم يتقدم ذكره.
          قوله: (تسعين) قيل: ليس حديث في الصحيح أكثر اختلافاً في العدد من حديث سليمان فيه مائة وتسعة وتسعون وستون، ولا منافاة إذ لا اعتبار لمفهوم العدد والحديث موقوف على أبي هريرة، و(أطاف) بمعنى ألم به وقاربه، و(الشق) النصف، و(يرويه) أي: عن رسول الله صلعم، و(لم يحنث) بالمثلثة وفي بعضها لم يخب بإعجام الخاء من الخيبة وهي الحرمان، و(دركا) بسكون الراء وفتحها أي: إدراكاً أو لحاقاً، و(لو استثنى) أي: لو قال إن شاء الله لم يحنث.
          وفيه أن كل حالف قيد حلفه بقوله إن شاء الله إذا خالفه لا يحنث إلا إذا أريد به التبرك لا التعليق.
          فإن قلت: الحنث معصية كيف يجوز على سليمان ◙؟ قلت: لم يكن باختياره أو هو صغيرة معفو عنها.
          قوله: (علي بن حجر) بضم المهملة وتسكين الجيم وبالراء، السعدي مات سنة أربع وأربعين ومائتين، و(زهدم) بفتح الزاي والمهملة وإسكان الهاء الجرمي بفتح الجيم وبالراء.
          فإن قلت: فالظاهر أن يقال بينة يعني أبا موسى كما تقدم / في باب لا تحلفوا بآبائكم حيث قال كان بين هذا الحي من جرم وبين الأشعريين ود؟ قلت: لعله جعل نفسه من أتباع أبي موسى كواحد من الأشاعرة فأراد بقوله بيننا أبا موسى وأتباعه الحقيقة والادعاء فيه.
          و(كأنه مولى) أي: لم يكن من العرب الخالص، و(قذرته) بكسر الذال وفتحها؛ أي: كانت الدجاجة مثل الجلالة.
          فإن قلت: مر آنفاً بثلاثة ذود؟ قلت: ومر في المغازي بستة أبعرة ولا منافاة، إذ ذكر القليل لا ينفي الكثير.
          و(غر الذرى) أي: بيض الأسنمة، و(تغفلنا) أي: طلبنا غفتله عن يمينه، و(تحللتها) أي: كفرتها.
          فإن قلت: الحنث معصية؟ قلت: لا خلاف في أنه إذا أتى بما هو خير من المحلوف عليه لا يكون معصية.
          و(أبو قلابة) بكسر القاف وخفة اللام وبالموحدة عبد الله، و(القاسم بن عاصم الكليبي) مصغر الكلب التميمي بفتح الفوقانية عطف على أبي قلابة.
          فإن قلت: لم قال أولاً تابعه وثانياً وثالثاً ثنا؟ قلت: إشارة إلى أن الأخيرين حدثاه بالاستقلال والأول تبع غيره بأن قال هو كذلك أو صدقه أو نحوه والأول يحتمل التعليق والأخيرين لا يحتملانه.
          قوله: (عثمان ابن عمر بن فارس) بالراء والمهملة البصري مر في الغسل، و(ابن عون) بالنون عبد الله، و(عبد الرحمن ابن سمرة) بفتح المهملة وضم الميم وسكونها القرشي مات بالكوفة سنة خمسين.
          قوله: (وكلت) بالتخفيف مر في أول كتاب اليمين، و(أشهل) بسكون المعجمة، ابن حاتم الجمحي بضم الجيم وفتح الميم وبالمهملة ومر في الأطعمة تابع عثمان.
          قوله: (تابعه) أي: ابن عون يونس بن عبيد مصغراً، و(سماك) بكسر المهملة وخفة الميم وبالكاف ابن عطية بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية وكذا (ابن حرب) ضد الصلح، و(حميد) بضم الحاء، و(الربيع) بفتح الراء، انتهى كلام والدي ⌂.
          أقول:
          قوله: (تغفلنا رسول الله صلعم يمينه) أي: جعلناه غافلاً عن يمينه بسبب سؤالنا وقيل سألناه وقت شغله ولم ننتظر فراغه فقال: تغفلته واستغفلته أي: تحينت غفلته.
          فإن قلت: سؤالهم بما يوجب تذكيره لليمن لا غفلته؛ لأنهم سألوه الحملان وهو حلف أن لا يحملهم فلو سألوه شيئاً غير الحملان لكان يحتمل الاستغفال منهم والغفلة منه ◙؟ فيحتاج إلى جواب.
          و(الشائل) هي الناقة التي ارتفع لبنها فارتفع ضرعها وقيل: الشؤلى اللواتي تشؤل بأذنابها عند اللقاح الواحد: شائلة.
          أقول: ويتناسب الاستثناء في اليمين ذكر قصة وقعت لأبي حنيفة ☺ ذكر في مناقبه عن أبي يوسف قال: دعا المنصور أبا حنيفة فقال الربيع حاجب المنصور وكان يعادي أبا حنيفة: يا أمير المؤمنين هذا أبو حنيفة يخالف جدك كان عبد الله بن عباس يقول: إذا حلف على اليمين ثم استثنى بعد ذلك بيوم أو يومين جاز الاستثناء، وقال أبو حنيفة: لا يجوز الاستثناء إلا متصلاً باليمين فقال أبو حنيفة: يا أمير المؤمنين إن الربيع يزعم أنه ليس لك في رقاب جندك بيعة قال: وكيف ذلك؟ قال: يحلفون لك ثم يرجعون إلى منازلهم فيستثنون فتبطل أيمانهم قال: فضحك المنصور وقال: يا ربيع لا تعرض لأبي حنيفة، فلما خرج أبو حنيفة قال له الربيع: أردت أن يشيط دمي فقال أبو حنيفة: أردت أن يشيط فخلصتك وخلصت نفسي.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: لعله أبو حنيفة ⌂ يستدل بقوله كفارة، فإن الكفارة مأخوذ من الكفر وهو التغطية بمعنى تغطي إثم حنث أيمانكم فلو كان جعل الحنث فلا إثم حتى يغطيه وهو ظاهر من جهة الكفر، ولكن الحديث قد ورد في جواز تقديم الكفارة وسمى الكفارة المقدمة على الحنث كفارة هو سيد الخلق والفصحاء)).
[2] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: رؤيا الأنبياء حق فرؤيته صلعم لنعيم ينبغي أن تكون يعيماً كان ليلة الإسراء في الجنة وكذلك رؤيته ◙ لبلال حين قال له ((رأيت دف نعليك بين يدي في الجنة)) الحديث؟ قلت: يحتاج إلى جواب)).
[3] في هامش المخطوط: في (ط): ((التي)).