مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قول الله تعالى: {أو تحرير رقبة} وأي الرقاب أزكى؟

          ░6▒ باب قول الله عز وجل: {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة:89]
          فيه حديث أبي هريرة، عن النبي صلعم: ((من أعتق رقبة مسلمة)) الحديث وسلف.
          ويريد به: أن من أعتق عتق من النار البعض بالبعض، ويصح التبعيض كما في قطع اليد أو غيره من الأعضاء؛ لأنه ◙ قال: ((حرم الله على النار أن تأكل موضع السجود)).
          قوله: (حتى فرجه بفرجه) (حتى) هاهنا عاطفة، وهي عند النحويين لا تعطف إلا بثلاث شروط: أن تعطف قليلاً على كثير، وأن يكون من جنسه، وأن يراد به التعظيم أو التحقير، والقليل هنا الفرج، والكثير الأعضاء وهو من جنسها، والمراد به: التحقير، فيكون ((فرجه)) منصوباً بالعطف.
          وأسلفنا في الصوم أنه يجزئ الكافرة والصغيرة عند أبي حنيفة وأصحابه، وهو قول الكوفيين وأبي ثور، وكذا المعيبة عند داود، وإن مالكاً والشافعي وأحمد يشترطون الإيمان، وكذا الأوزاعي، ولم يختلف في جواز عتق الكافر في التطوع، واحتج مالك في ذلك بقوله: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء} [محمد:4] فالمن: العتق للمشركين، وقد من رسول الله صلعم على جماعة منهم.
          قال والدي ⌂:
          (كتاب الكفارات) الكفارة فعالة بالتشديد / من الكفر وهو التغطية يعني التي تغطي إثم الحنث ونحوه واصطلاحاً هو ما كفر به من صدقة ونحوها.
          قوله: (ما أمر) ما موصولة وما كان في القرآن أو نحو قوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة:89] فصاحبه بالخيار يعني: هو الواجب المخير ويقال لهذه الكفارة المخيرة.
          قوله: (كعب) هو ابن عجرة بضم المهملة وسكون الجيم وبالراء السالمي الأنصاري في فدية حلق رأسه بين الصيام والصدقة والنسك، قال تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196].
          قوله: (أبو شهاب) الأصغر هو عبد ربه الخياط صاحب المدايني، و(ابن عون) بفتح المهملة وبالنون عبد الله، و(عبد الرحمن بن أبي ليلى) بفتح اللامين مقصوراً، و(هوامك) جمع هامة وكان يتناثر القمل من رأسه مر في الحج.
          قوله: (وأخبرني) هو عطف على مقدر قال أبو شهاب أخبرني فلان كذا وأخبرني ابن عون عن أيوب السختياني أن المراد بالصيام ثلاثة أيام وبالنسك شاة وبالصدقة إطعام ستة مساكين.
          قوله: (وقوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2]) أي: تحليلها بالكفارات، والمناسب أن يذكر هذه الآية في أول الباب لا هاهنا إذ هو موضعها.
          قوله: (من فيه) أي قال سفيان سمعته من فم الزهري وغرضه أنه ليس معنعناً موهماً للتدليس، و(حميد) بضم الحاء.
          قوله: (رجل) قيل: هو سلمة بن صخر البياضي، و(العرق) بفتح المهملة والراء، السقيفة المنسوجة من الخوص، و(المكتل) بكسر الميم الزنبيل الذي يسع خمسة عشر صاعاً وأكثر، و(النواجذ) بإعجام الذال آخر الأسنان وأولها الثنايا ثم الرباعيات ثم الأنياب ثم الضواحك ثم الأرحاء ثم النواجذ، ومثل هذا الضحك منه صلعم كان من النوادر، وقيل المراد بالنواجذ الأسنان مطلقاً وقال: أطعمه عيالك على سبيل التصدق أو هو مخصوص به أو منسوخ ومر في كتاب الصوم.
          قوله: (محمد بن محبوب) ضد المبغوض البصري، و(عبد الواحد) هو ابن زياد بالتحتانية الخفيفة العبدي، و(اللابة) بتخفيف الموحدة الحرة يعني بين طرفي المدينة.
          قوله: (عشرة مساكين) فإن قلت: في الحديث ستون مسكيناً فكيف يوافق الترجمة؟ قلت: لعل غرضه أن المساكين العشرة في كفارة اليمين يجوز أن تكون قريبة وبعيدة كما في كفارة الوقاع قياساً يعني: الكفارة المخيرة كالكفارة المرتبة فيها وقيل لعل أهله كانوا عشرة والأول أقرب(1).
          قوله: (بركته) أي: بركة المد أو بركة كل منهما، و(عثمان بن أبي شيبة) بفتح المعجمة وسكون التحتانية وبالموحدة، و(القاسم المزني) بضم الميم وفتح الزاي وبالنون، و(الجعيد) مصغر الجعد بالجيم والمهملتين، و(السائب) بالمهملة والهمز بعد الألف وبالموحدة ابن يزيد بالزاي، وكان الصاع في عهده صلعم أربعة أمداد، و(المد) رطل عراقي وثلت رطل فزاد عمر بن عبد العزيز في المد بحيث صار صاع مد أو ثلث مد من المد العمري المستعمل في يوم. قال السائب: هذا الكلام لهم.
          قوله: (منذر) بلفظ فاعل الإنذار ابن الوليد بفتح الواو، و(الجارودي) بالجيم والراء والواو والمهملة، و(أبو قتيبة) مصغر قتبة الرحل سلم بفتح المهملة وإسكان اللام الخراساني سكن البصرة.
          قوله: (المد الأول) صفة لازمة لمد النبي صلعم إذ هو الأول وأما الثاني فهو المد المزيد فيه العمري.
          قال ابن بطال: كلام السائب يدل على أن مدهم كان يومئذ وزنه أربعة أرطال وأما مقدار ما زيد في زمان عمر فلا يعلم ذلك وإنما قال بالمد الأول ليفرق بينه وبين مد هشام الحارث الذي أخذ به أهل المدينة في كفارة الظهار / لتغليظها على المظاهر ومد هشام كان أكبر من مد النبي صلعم بثلثي مد ولم يكن للنبي صلعم إلا مد واحد.
          و(مدنا) أي: مد المدينة الذي زاد فيه عمر (أعظم من مدكم) أي مد العراق وهو مد عهده صلعم ولا نرى الفضل إلا في مد النبي صلعم وإن كان المد العمري أفضل بحسب الوزن.
          قوله: (تعطون) أي: الفطرة والكفارة.
          قوله: (لهم) أي لأهل المدينة في مكيالهم وهو ما كيل به.
          فإن قلت: ما وجه مناسبة الباب بكتاب الكفارات؟ قلت: كفارة اليمين فيها إطعام عشرة أمداد لعشرة مساكين وكفارة الوقاع إطعام ستين مسكيناً ستين مدًّا، وفي كفارة الحلق إطعام ثلاثة آصع لستة مساكين.
          قوله: (داود بن رشيد) مصغر الرشد بالراء والمعجمة والمهملة، البغدادي مات سنة تسع وثلاثين ومائتين، و(أبو غسان) بفتح المعجمة وتشديد المهملة وبالنون محمد بن مطرف بفتح المهملة وشدة الراء المكسورة، و(علي بن حسين) ابن علي بن أبي طالب زين العابدين، و(سعيد بن مرجانة) بفتح الميم وسكون الراء وبالجيم وبالنون وهي اسم أمه، وأما أبوه فهو عبد الله العامري.
          قوله: (مسلمة) إشارة إلى بيان أزكى الرقاب وقال الحنفية: يجوز إعتاق الرقبة الكافرة فيها وقيد الشافعي الرقبة المطلقة في اليمين بالمؤمنة كما في كفارة القتل حملاً للمطلق على المقيد، و(حتى فرجه) بالنصب وحاصله أن من أعتق عبداً أعتقه الله من النار، انتهى كلام والدي ⌂.
          أقول:
          قوله: (ثنا ابن شهاب عن ابن عون) هذا ابن شهاب هو الأصغر، واسمه عبد الله بن نافع المدائني الخياط، وأما ابن شهاب الأكبر الخياط أيضاً اسمه موسى بن نافع.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: فإن قلت: اكلفارة المرتبة ظاهرها التساوي بين الأمور الثلاثة فإن العتق وصيام ستين يوماً وكسوة ستين مسكيناً غالباً يكون متساوي الثمن في المساكين وصوم ستين يناسب إطعام ستين مسكيناً وكان الأولى أن تكون الكفارة المخيرة تساوي القيمة والرابع أن إطعام عشرة وكسوتهم وعتق رقبة بينها بون بعيد في الثمن وفي العادة لا يقال أنت مخير بين صدقة درهم ومائة وألف)).