الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: أن النبي وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد

          253- وبالسند إلى المؤلف قال: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ): أي: الفضل بن دكين (قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ): أي: سفيان (عَنْ عَمْرٍو): بفتح العين: ابن دينار (عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ): هو أبو الشَعْثاء _بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة وبالمثلثة وبالمد_ البصري، قال ابن عباس: لو أن أهل البصرة نزلوا عند جابر بن زيد، لأوسقهم علماً عن كتاب الله تعالى، مات سنة ثلاث ومائة (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلعم وَمَيْمُونَةَ): أي: زوج رسول الله صلعم (كَانَا يَغْتَسِلاَنِ مِنْ): ولأبي الوقت: <في>، وهي: بمعنى من (إِنَاءٍ وَاحِدٍ): أي: من الجنابة. واستشكل وجه مطابقة حديث ميمونة لترجمة الباب.
          وأجاب الكرماني: بأن المراد بالإناء: الفرق المذكور؛ وبأن الإناء كان معروفاً عندهم، أنه الذي يسع الصاع، فلم يحتج إلى تعريفه؛ وبأنه من اختصار الحديث، وفي تمامه ما يدل عليه كما في حديث / عائشة.
          وقال العيني: ووجهه بعضهم: بأن مناسبة الترجمة تستفاد من مقدمة، وهي: أن أوانيهم كانت صغاراً، فيدخل هذا الحديث تحت قوله: (ونحوه): أي: نحو الصاع، أو يحمل المطلق فيه على المقيد في حديث عائشة، لكون كل منهما زوجة له، واغتسلت معه، فتكون حصة كل منهما أزيد من صاع، معه فتكون حصة كل من صاع فيدخل تحت الترجمة بالتقييد.
          قلت: قول هذا القائل أكثر تعسفاً، وأبعد وجهاً من كلام الكرماني؛ لأن المراد من الحديث: جواز اغتسال الرجل والمرأة من إناء واحد، وليس المراد منه: بيان مقدار الإناء، والباب في بيان المقدار، فمن أين يلتئم التطابق؟
          وقوله: لكون كل منهما زوجة: كلام من لم يمس شيئاً من الأصول، وكون كل واحدة منهما امرأة له، كيف يكون وجهاً لحمل المطلق على المقيد؟ مع أن الأصل أن يجري كل منهما على حاله، والحمل له مواضع. انتهى.
          وأقول: إذا كان كلام كل منهما متعسفاً، وأحدهما أكثر تعسفاً، فينبغي له أن يبدي، ولو وجهاً سالماً عن ذلك.
          (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ): أي: البخاري (كَانَ ابنُ عُيَيْنَةَ): أي: سفيان، لم يقل: وقال ابن عيينة، بل قال: (كان ابن عيينة): ليدل على أنه عادة له مستمرة في آخر عمره، قاله الكرماني (يَقُولُ أَخِيْراً): بالتحتية بعد الخاء؛ أي: في آخر عمره (عَن ابنِ عَبَّاسٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ)
          وقال في ((الفتح)): كذا رواه عن أكثر الرواة، وإنما رواه عنه _كما قال أبو نعيم_ من سمع عنه قديماً، يعني: فالحديث من مسندهما، لا من مسند ابن عباس.
          وقوله: (وَالصَّحِيْحُ): أي: من الروايتين (مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ): من كلام البخاري، يعني: أنه من مسند ابن عباس، لا من مسندها، وكذلك رجحه الدارقطني.
          قال في ((الفتح)): وإنما رجح البخاري رواية أبي نعيم جرياً على قاعدة المحدثين؛ لأن من جملة المرجحات عندهم قدم السماع؛ لأنها مظنة قوة حفظ الشيخ، ولرواية الآخرين جهة أخرى من وجوه الترجيح، وهي كونهم أكثر عدداً، وملازمة لسفيان، ورجحها الإسماعيلي من حيث المعنى، وهي كون ابن عباس لا يطلع على النبي صلعم في حالة اغتساله مع ميمونة، فيدل على أنه أخذه عنها، وأخرج هذه الرواية الشافعي، والحميدي، وابن أبي عمر، وابن أبي شيبة، وغيرهم في (مسانيدهم)، عن سفيان، ومسلم، والنسائي، وغيرهما من طريق ابن عباس، ويستفاد من البحث: أن البخاري لا يرى التسوية بين عن فلان، وبين أن فلاناً، وفي ذلك بحث يطول، وقد حققته فيما كتبته على ابن الصلاح. انتهى.