الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: كان يكفي من هو أوفى منك

          252- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ): هو الجعفي المار آنفاً (قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ) الكوفي، قال الجياني: ثبت لجميع الرواة إلا لأبي ذر عن الحموي فسقط، وهو وهم إذ لا يتصل السند إلا به
          (قَالَ: حَدَّثَنَا): ولابن عساكر: <أخبرنا> (زُهَيْرٌ): مصغر؛ أي: ابن معاوية (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ): عمرو؛ أي: ابن عبد الله السبيعي (قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ): هو محمد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي المرتضى الملقب بالباقر (أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، هُوَ وَأَبُوهُ): أي: علي (وَعِنْدَهُ): أي: جابر (قَوْمٌ):
          قال في ((الفتح)): كذا في النسخ التي وقفت عليها من البخاري، ووقع في (العمدة): وعنده قومه: بزيادة هاء، وجعلها شراحها ضميراً يعود على جابر، وفيه ما فيه، وليست هذه الرواية في مسلم أصلاً، وذلك وارد أيضاً على قول صاحب (العمدة): أنه لا يخرج إلا المتفق عليه. انتهى
          (سَأَلُوهُ عَنِ الغُسْلِ): والسائل: هو أبو جعفر، كما في (مسند ابن راهويه) (فَقَالَ): أي: جابر ☺ (يَكْفِيكَ صَاعٌ): أفرد ضمير المخاطب، إما لأن السائل كان واحداً، وإنما أضيف السؤال إليهم؛ لأنه منهم، وإما لإرادة التعميم بالخطاب على حد قوله تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} [السجدة:12].
          قال الكرماني: وكقوله صلعم: (بشر المشائين في ظلم الليالي إلى المساجد بالنور التام) (فَقَالَ رَجُلٌ): هو الحسن بن محمد بن الحنفية، واسمها خولة بنت جعفر، مات سنة مائة أو نحوها (مَا يَكْفِينِي): أي: لا يكفيني الصاع (فَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ يَكْفِي مَنْ هُوَ أَوْفَى): أي أكثر (مِنْكَ شَعَراً): تمييز (وَخَيْرٌ مِنْكَ): أي: النبي صلعم، و(خيرٌ): بالرفع عطف على (أوفى)، وللأصيلي: <وخيراً>: بالنصب عطف على (من) مفعول (يكفي)، وجعله الزركشي عطفاً على شعر، قال: لأن (أوفى) بمعنى أكثر.
          ورده في ((المصابيح)): بأنه إنما يتأتى إذا أريد بخير واحد الخيور لا ما يقصد به التفضيل، والتفضيل فيه مراد، لاقترانه بمن، فالصواب عطفه على (من)، ثم استشكله بأن العطف يقتضي المغايرة مع أن المراد واحد، وأجاب: بأنه كعطف الصفات، والموصوف واحد، قال: وجعل من الثانية مؤكدة للأولى، حتى لا يكون (خير) للتفضيل بعده ظاهر. انتهى.
          وأقول: دعواه أن المراد واحد فيه نظر؛ لأن الأول أكثر من جهة الشعر، والثاني: من جهة الخيرية؛ وكأنه جعل الخيرية باعتبار الشعر
          (ثُمَّ أَمَّنَا): أي: صلى بنا جابر إماماً (فِي ثَوْبٍ): أي: واحد ليس عليه غيره، ففاعل (أمنا) جابر، وهو من مقول أبي جعفر، وسيأتي ذلك واضحاً في كتاب الصلاة.
          وجوز الكرماني جعله من مقول جابر، ففاعل (أمنا): رسول الله
          ورده في ((الفتح)) فقال: ولا التفات إلى من جعله من مقوله، والفاعل رسول الله.
          وفي هذا الحديث: بيان ما كان عليه السلف من الاحتجاج بأفعال النبي، والانقياد لذلك، وفيه جواز الرد بعنف على من يماري بغير علم إذا قصد الراد إيضاح الحق، وتحذير السامعين من مثل ذلك، وفيه كراهية التنطع، والإسراف في الماء.
          واعلم أن الاغتسال بالصاع مندوب إذا كان يكفي، وكذا الوضوء بالمد.
          قال ابن عبد البر في (شرح الموطأ): غسل الأعضاء في الوضوء، وسائر الجسم، إنما يكون بمباشرة الماء لذلك، أو ما أمر الله بغسله، فلا يجزئ فيه المسح، فمن قدر أن يتوضأ بمد أو أقل، ويغتسل بصاع أو دون بعد أن يسبغ ويعم، فذاك حسن جائز عند جماعة العلماء بالحجاز والعراق، لا يخالف في ذلك إلا ضال مبتدع. انتهى.