الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب إذا ذكر في المسجد أنه جنب خرج كما هو ولا يتيمم

          ░17▒ (بَابٌ: إِذَا ذَكَرَ): بفتح الذال والكاف؛ أي: تذكر الشخص (فِي المَسْجِدِ): متعلق بـ(ذكر) أو بحال محذوفة، قاله في ((الفتح)).
          واعترضه العيني فقال: باب (ذكر) هنا من الباب الذي مصدره الذُكر _بضم الذال_ لا من الذِكر _بكسرها_ وهذه دقة لا يفهمها إلا من له ذوق بنكات الكلام، ولو ذاق ما ذكرناه لما احتاج إلى تفسير فعل يفعل.
          وأقول: ما ذكره من الفرق بين البابين طريقة لبعض اللغويين.
          فقد قال في ((المصباح)): ذكرته بلساني، وبقلبي ذِكري _بالتأنيث وكسر الذال_ والاسم ذكر _بالضم والكسر_ نص عليه جماعة منهم: أبو عبيد، وابن قتيبة، وأنكر الفراء الكسر في القلب، وقال: اجعلني على ذُكر منك: بالضم لا غير، ولهذا اقتصر عليه جماعة. انتهى.
          فظهر لك أن الذكر _بالضم أو الكسر_ الاسم لا المصدر، وعلى التسليم أنه مصدر، وأنه بالضم القلبي لا غير، فما وجه إيراده على ((الفتح))؟ فإنه لم يدع أنه من المكسور لا من المضموم، بل قال في ((الفتح)): وورود ذكر بمعنى تذكر من الذُكر _بضم الذال_ كثير، وإن كان المتبادر أنه من الذِكر _بكسرها_
          فما هذه الدقة التي فهمها بذوقه، ولم يذقها غيره؟ فتأمل، وأنصف.
          وقوله: (أَنَّهُ جُنُبٌ): بفتح أن وهي واسمها وخبرها في محل نصب مفعول الذكر (خَرَجَ): بالماضي، ولأبي ذر وكريمة:<يخرج>: مضارعاً، وعليهما فهو جواب (إذا)
          (كَمَا هُوَ): فما موصولة، أو موصوفة، أو مصدرية، أو زائدة غير كافة، أو كافة، ولفظ: (هو): مبتدأ محذوف الخبر، أي: عليها والتقدير: كالذي هو هو، ففيه خمسة أوجه كما ذكرها النحويين في كن كما أنت، فعليك بالماضي وبالعكس، فعلى كونها كافة، هو فاعل (خرج)، وعلى كونها غير كافة، فالكاف جارة لـ(هو)، وإن كان ضمير رفع؛ لأنه أنيب مناب ضمير الجر، كقولهم: ما أنا كانت، والمعنى: يخرج في المستقبل مماثلاً لنفسه في الماضي.
          وذكر العيني في هذا التركيب خمسة أوجه التي أشرنا إليها، / واعترض على الكرماني في تسمية هذه الكاف: كاف المقارنة: بأن هذا تصرف منه، بل الكاف للتشبيه. انتهى.
          وأقول: تسمى مثل هذه الكاف في المعنى: كاف المبادرة، قال: وذلك إذا اتصلت بما نحو سلم كما تدخل وصل كما يدخل الوقت، ونقله عن ابن الخبار، والسيرافي وغيرهما، وقال: إنه غريب، والأمر في ذلك سهل.
          وقال في ((الفتح)): وعلى التنزيل، فالتشبيه هنا ليس ممتنعاً؛ لأنه تعلق بحالتيه؛ أي: خرج في حالة شبيهة بحالته التي كان قبل خروجه فيما يتعلق بالمحدث، لم يفعل ما يرفعه من غسل أو تيمم، بل يخرج، على حاله جنباً فوراً (وَلاَ يَتَيَمَّمُ): أي: في المسجد، وهو توضيح لقوله: (كما هو)، قاله العيني. وأشار به إلى رد ما نقل عن الثوري، وإسحاق من إيجابهم له في هذه الصورة، وعن بعض المالكية: فيمن نام في المسجد فاحتلم قالوا: يتيمم في هذه الصورة، قبل أن يخرج من المسجد.