الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب إذا جامع ثم عاد ومن دار على نسائه في غسل واحد

          ░12▒ (بَابٌ): بالتنوين (إِذَا جَامَعَ): أي: المجامع <امرأته، أو أمته>، كما للكشميهني (ثُمَّ عَادَ): وجواب (إذا): محذوف؛ أي: جاز، وهو أولى من تقديره بما في حكمه، فافهم.
          وللكشميهني: <عاود>: أي: رجع إلى جماعها مرة أخرى، وهو أعم من كونه لتلك المجامعة أو غيرها قاله في ((الفتح))، ومعناه: أن رجوعه إلى الجماع، أعم من كونه لتلك المرأة المجامعة، أو لامرأة غيرها، وهو ظاهر، وإن صدق على الجماع في ليلة أخرى لو وقع، وذلك يسمى عوداً لغة وعرفاً، كما يعلم بمراجعتهما.
          فاعتراض العيني عليه: بأن الجماع في غير ليلة جامع فيها، لا يسمى عوداً، لا لغة، ولا عرفاً، فيه نظر، وما استدل به من الحديث، فهو واقعة حال فعلية لا يقتضي قصر الحكم عليها، فتأمل، وأنصف. / وقد أجمعوا على أن الغسل بينهما مستحب، لما أخرجه أبو داود، والنسائي، والترمذي، وصححه هو وغيره، وإن ضعفه ابن القطان، عن أبي رافع: (أنه صلعم طاف ذات يوم على نسائه، يغتسل عند هذه وعند هذه)، قال: فقلت: يا رسول الله، ألا تجعله غسلاً واحداً؟ قال: (هذا أزكى، وأطيب، وأطهر)، وفي رواية بإسقاط: (وأطهر).
          ولا يقال: يدل هذا الحديث على أن الاغتسال بين الجماعين واجب؛ لأن العلماء أجمعوا على عدم وجوبه بينهما، واختلفوا في الوضوء بينهما، فقال الجمهور: يستحب، وقال أبو يوسف: لا يستحب، وقال أهل الظاهر، وابن حبيب المالكي: يجب، واستدلوا بحديث أبي سعيد الخدري الذي رواه مسلم قال: قال رسول الله صلعم: (إذا أتى أحدكم أهله، ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءاً).
          وأشار ابن خزيمة إلى أن بعض أهل العلم حمله على الوضوء اللغوي فقال: المراد به غسل الفرج، ثم رده ابن خزيمة بما رواه من طريق ابن عيينة، عن عاصم في هذا الحديث فقال: (فليتوضأ وضوءه للصلاة).
          قال في ((الفتح)): وأظن المشار إليه هو إسحاق بن راهويه، فقد نقل ابن المنذر عنه أنه قال: لا بد من غسل الفرج إذا أراد العود.
          وقال ابن عبد البر: ما أعلم أحداً من أهل العلم أوجبه، إلا طائفة من أهل الظاهر، وقال ابن حزم: هو قول عطاء، وإبراهيم، وعكرمة، والحسن، وابن سيرين.
          ولا يعارض ما مر من الأحاديث ما رواه أبو عوانة في ((صحيحه)): عن ابن عباس أن رسول الله صلعم قال: (إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة) لما قاله الطحاوي: من أن العمل على حديث الأسود عن عائشة، ولما قاله الضياء المقدسي وغيره: هذا كله مشروع جائز من شاء أخذ بهذا، ومن شاء أخذ بالآخر، وأيضاً: فإن حديث ابن عباس وإن كان صحيحاً أيضاً يحمل الأمر فيه على الفرضية، نعم يرد على من يقول بوجوب الوضوء، فتأمل.
          ثم استدل ابن خزيمة على أن الأمر بالوضوء للندب بما رواه، كرواية ابن عيينة، وزاد: (فإنه أنشط للعود)، فدل على أنه للندب أو للإرشاد، ويدل له أيضاً ما رواه الطحاوي، عن عائشة قالت: (كان النبي صلعم يجامع، ثم يعود، ولا يتوضأ)
          (وَمَنْ دَارَ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ):
          قال في (المنحة): هذه جملة شرطية معطوفة على الأولى، وجواب الشرطين محذوف؛ أي: هل هو جائز أم لا؟ وأشار بالثاني إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الآتي، وإلى ما أخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح:(أنه عليه الصلاة والسلام كان يطوف على نسائه في غسل واحد)، وتقدم نقل الإجماع على أن الغسل بينهما لا يجب، وإنما اختلفوا في الوضوء.