الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الوضوء قبل الغسل

          ░1▒ (بَابُ الوُضُوءِ قَبْلَ الغُسْلِ): هذه الترجمة موجودة في بعض النسخ، كما نبه على ذلك البرماوي.
          قال العيني: أي: هذا باب في بيان حكم الوضوء، قبل أن يشرع في الاغتسال، هل هو واجب، أم مستحب، أم سنة؟ وقال بعضهم: باب الوضوء قبل الغسل؛ أي: استحبابه، قال الشافعي في (الأم): فرض الله الغسل مطلقاً، لم يذكر فيه شيئاً يبدأ به قبل شيء، فكيف ما جاء به المغتسل أجزأه، إذا أتى بغسل جميع بدنه. انتهى.
          قلت: إن كان النص مطلقاً، لم يذكر فيه شيئاً يبدأ به، فعائشة ♦ ذكرت عن النبي صلعم أنه كان يتوضأ كما يتوضأ للصلاة قبل غسله؛ فيكون سنة غير واجب، أما كونه سنة: فلفعله صلعم، وأما كونه غير واجب: فلأنه يدخل في الغسل كالحائض إذا أجنبت يكفيها غسل واحد.
          ومنهم من أوجبه إذا كان محدثاً قبل الجنابة، وقال داود: يجب الوضوء، والغسل في الجنابة المجردة، بأن يأتي غلاماً، أو بهيمة، أو يلف ذكره بخرقة فينزل، وفي أحد قولي الشافعي: يلزمه الوضوء في الجنابة مع الحدث، وفي قول آخر: يقتصر على الغسل؛ لكن يلزمه أن ينوي الحدث والجنابة، وفي قول: يكفي نية الغسل.
          ومنهم من أوجب الوضوء بعد الغسل، وأنكره علي وابن مسعود ☻، وعن عائشة قالت: (كان رسول الله لا يتوضأ بعد الغسل)، رواه مسلم والأربعة. انتهى كلام العيني.
          وأقول: إن أراد الاعتراض على الشافعي فلا يرد؛ لأنه قال: فرض الله الغسل مطلقاً، فلا يضر ورود البيان في السنة على أن هذا البيان في الحقيقة، ليس لفرض الغسل، بل لأمر مندوب يتعلق به، وإن أراد الاعتراض على ((الفتح)) فكذالك لا يرد؛ لأنه قال: والاختيار في الغسل ما روت عائشة ♦.
          وأما تقديره حكم الوضوء، وإن كان شاملاً للوجوب كما يقول به داود فهو أكثر فائدة من تقدير استحبابه؛ لكنه إنما يتم إن كان داود يقول بوجوبه قبل الغسل، وإلا فلا.
          وفي تعبيره بقوله: إن كان النص مطلقاً: إشعار بالتوقف فيه، ولا خفاء في كونه مطلقاً ومجملاً كما قررناه في الآية.
          تنبيه: قدم الوضوء على الغسل لفضل أعضاء الوضوء؛ ولأن تقديمه أكمل، ولا يحتاج هذا الوضوء إلى إفراده بنية عند الرافعي؛ لأنه يندرج في الغسل، والمعتمد: ما صححه النووي وغيره: أنه إن تجردت جنابته عن الحدث الأصغر، فيكفيه أن ينوي بوضوئه سنة الغسل، وإلا فلا بد من نية رفع الحدث الأصغر، ونقل عن المالكية: أنه ينوي به رفع حدث الجنابة في تلك الأعضاء؛ فإن نوى الفضيلة لزمه إعادة غسلها.