الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الجنب يخرج ويمشى في السوق وغيره

          ░24▒ (بابٌ): بالتنوين، ويجوز تركه، ولا يخفي وجههما، وأنهما بنيا على الرفع أو الجر في قوله: (الجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي).
          قال العيني: (ويمشي): بالواو عطف على (يخرج)، وفي بعض النسخ: (يمشي) بدون واو العطف؛ فإن صحت هذه يكون (يمشي): في موضع النصب على الحال المقدرة. انتهى.
          وأقول: المناسب جعله خبر (الجنب) بعد خبر، على حد: زيد عالم تاجر، فافهم
          (فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ): بالجر عطف على (السوق)، وضميره عائد عليه، وبالرفع قال البرماوي: على أنه مبتدأ؛ أي: غيره نحوه فينام ويأكل كما يخرج، فهو عطف عليه من جهة المعنى، كذا قال الكرماني، وفيه تكلف بلا ضرورة. انتهى.
          وأقول: الظاهر:أن الكرماني، وتبعه ابن حجر أراد أن (غيره): معطوف عطف مفردات على ما قبله؛ لأن المراد بغيره يأكل، وينام، ونحو ذلك، وعبارة الكرماني تحتمل رفعه بأن يراد به:نحو ما يأكل، ويناسبه عطفه على (يخرج) من جهة المعنى. انتهى.
          وأقول: الضمير على الرفع عائد على (يخرج) و(يمشي)، فحقه التثنية؛ لكنه أفرده نظراً لتأويلهما بالمذكور، ويجوز رفع (وغيره) على أنه مبتدأ، وضميره عائد على (الجنب)، والمراد بغيره: الحائض والنفساء، والخبر محذوف يقدر بكذلك؛ فكأنه قال: الجنب يخرج، ويمشي، ويأكل، وينام مثلاً؛ لأن (غيره) في معنى مغايره لا كما قاله البرماوي، وإن كان في الآخر أيضاً تعسف، فافهم.
          ولعل غرض البخاري من هذه الترجمة: الإشارة إلى الرد على منع هذه الأفعال من الجنب قبل أن يغتسل أو يتوضأ، وأن ذلك جائز كما عليه عامة الفقهاء، ولا خلاف ذلك إلا ما حكاه ابن أبي شيبة، عن علي، وعائشة، وابن عمر، وأبيه، وشداد بن أوس، وسعيد بن المسيب، ومجاهد، وابن سيرين، والزهري، ومحمد بن علي، والنخعي، وزاد البيهقي: سعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وعطاء، والحسن: أنهم كانوا إذا أجنبوا لا يأكلون، ولا يخرجون حتى يتوضؤوا، ولعله منهم على سبيل الاستحباب لا الوجوب، وبه صرح في ((الفتح)) عنهم
          (وَقَالَ عَطَاءٌ): أي: ابن أبي رباح (يَحْتَجِمُ الجُنُبُ، وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ، وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ): وهذا التعليق وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه، وزاد:ويطلي بالنورة، وهذه الأفعال من جملة ما دخل في قوله: (وغيره) في الترجمة.