الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: لكل غادر لواء ينصب لغدرته

          3188- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) أي: الواشِحيُّ، قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ) بفتحِ الحاء المهملةِ وتشديد الميمِ، ولأبي ذرٍّ: <حمَّادُ بنُ زيدٍ> (عَنْ أَيُّوبَ) أي: السَّختِيانيِّ (عَنْ نَافِعٍ) أي: مَولى ابنِ عمرَ.
          (عَنِ ابْنِ عُمَرَ) أي: ابنِ الخطَّابِ (☻ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلعم يَقُولُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يُنْصَبُ لِغَدْرَتِهِ) بفتحِ الغين المعجمةِ وبلام الجرِّ أوله، ولأبي ذرٍّ وابنِ عساكرَ: <بغَدرتِه> بالموحَّدة، وزاد أبو ذرٍّ: <يومَ القيامة> بين ((ينصَبُ)) وبين: <بغَدرتِه> ووقع في بعض النُّسَخ تأخيرُ: <يومَ القيامة> عن قولِه: <بغَدرتِه> والمرادُ: أنه يُنصَبُ له اللواءُ عند اسْتِه بقَدْرِ غَدْرتِه، أو: بسببِ غَدرتِه.
          قال القرطبيُّ: هذا خطابٌ منه للعربِ بنحوِ ما كانت تفعلُ؛ لأنهم كانوا يرفعون للوفاءِ رايةً بيضاءَ؛ ليُثنوا على الموفي، وللغدرِ رايةً سوداءَ؛ ليلوموا الغادرَ ويذُمُّوه، فاقتضى الحديثُ وقوعَ مثلِ ذلك للغادر، ليُشتهَرَ بصفتِه في القيامةِ، فيذُمَّه أهلُ الموقفِ، وأما الوفيُّ؛ فلم يرِدْ فيه شيءٌ يكونُ له يومَ القيامة، ولا يبعُدُ أن يقَعَ كذلك، وقد ثبتَ لواءُ الحمدِ لنبيِّنا صلعم، انتهى.
          أي: فلا يبعدُ أن يثبُتَ لواءُ حمدٍ وثناءٍ لبعضِ أمَّتِه على مقدارِهم، وقيل: المرادُ: شهرةُ الشخص في القيامةِ بصفةِ الغدرِ؛ ليذُمَّه أهلُ الوقف.
          وفيه: بيانُ حُرمةِ الغادرِ، ولا سيَّما من أهلِ الولاياتِ العامة؛ لأنَّ غدْرَه يتعدَّى ضرَرُه إلى خلقٍ كثير، ولأنه غيرُ مضطرٍّ إلى الغَدرِ؛ لقُدرتِه على الوفاء، وقيل: المراد: نهيُ الرَّعيةِ عن الغَدرِ بالإمام، ولذا يحرُمُ الخروجُ عليه.
          قال القاضي عِياضٌ: المشهورُ أنَّ هذا الحديثَ وردَ في ذمِّ الإمام إذا غدرَ في عهودِه لرعيَّتِه، أو لمُقاتِلتِه، أو للإمامةِ التي تقلَّدَها والتزمَ القيامَ بها، فمتى خان فيها، أو تركَ الرِّفقَ، غدَرَ بعَهدِه، وقيل: المرادُ نهيُ الرعيَّةِ عن الغَدرِ بالإمام، فلا يُخرَجُ عليه، ولا يتعرَّضُ بمعصيتِه؛ لِما يترتَّبُ على ذلك من الفتنة، والصحيحُ الأولُ.
          قال في ((الفتح)): ولا أدري ما المانعُ من حَملِ الخبرِ على أعمَّ من ذلك.
          وهذا الحديثُ أخرجه المصنِّفُ أيضاً في الفِتَن، ومسلمٌ في المغازي.