الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: هل يعفى عن الذمي إذا سحر؟

          ░14▒ (باب) سقط وحده لأبي ذرٍّ (هَلْ يُعْفَى) بالبناء للمجهول؛ أي: يُتجاوَزُ (عَنِ الذِّمِّيِّ) ومثلُه المعاهدُ (إِذَا سَحَرَ) بفتحات؛ أي: ولو لذِميٍّ، وجوابُ الاستفهام محذوفٌ يقدَّرُ بنحوِ: نعم.
          (وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ) هو: عبدُ الله، وقد وصلَه هو في ((جامعه)) (أَخْبَرَنِي) بالإفراد (يُونُسُ) أي ابنُ يزيدَ الأيليُّ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) أي: الزُّهريِّ (سُئِلَ) بالبناء للمفعول (أَعَلَى) بهمزة الاستفهام (مَنْ سَحَرَ) بفتحات (مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ) بيانٌ لـ ((مَن)) الموصولةِ، أو النَّكِرةِ الموصوفةِ المجرورةِ بـ ((على)) المتعلِّقةِ بمحذوفٍ خبرٍ لقوله: (قَتْلٌ) المؤخَّرِ، أو فاعلٌ بالجارِّ والمجرورِ لاعتمادِه على الاستفهام.
          (قَالَ) أي: ابنُ شهابٍ مجيباً للسائلِ (بَلَغَنَا) بفتحات (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم قَدْ صُنِعَ) بالبناء للمفعول (لَهُ ذَلِكَ) أي: السِّحرُ، الظرفُ متعلِّقٌ بـ ((صُنع))، واسمُ الإشارةِ: نائبُ فاعلِه، والفاعلُ لذلك لَبيدُ بنُ الأعصَمِ، كما يأتي.
          (فَلَمْ يَقْتُلْ) بفتحِ أوله وضم الفوقية؛ أي: رسولُ الله (مَنْ صَنَعَهُ) / أي: السِّحرَ، وجملةُ: (وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ) حاليةٌ؛ أي: ممَّن له عهدٌ، ففيه المطابَقةُ.
          وقال الكِرمانيُّ: فإن قلتَ: الترجمةُ بلفظ: ((الذِّميِّ)) والسؤالُ: بأهل العهد، والجواب: بأهلِ الكتاب، قلتُ: المراد: أهلُ الكتابِ الذين لهم عهدٌ، وإلا فهو حربيٌّ واجبُ القتلِ، والعَهدُ والذِّمةُ بمعنًى.
          وقال ابنُ بطَّالٍ: لا حُجَّةَ لابنِ شهابٍ في هذا؛ لأنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلام كان لا ينتقِمُ لنفسِه، ولأنَّ السِّحرَ لم يضُرَّه في شيءٍ من الوحي، ولا في بدَنِه، وإنَّما كان يعتريه شيءٌ من التخيُّل.
          قال في ((الفتح)): ولهذا الاحتمالِ لم يجزِمِ المصنِّفُ بالحُكمِ، انتهى، فتدبَّرْه.
          وقال أيضاً: لا يُقتَلُ ساحرُ أهلِ العهد، لكن يعاقَبُ، إلا إنْ قتَلَ بسحرِه، فيُقتَلُ، أو أحدَثَ حدَثاً، فيؤاخَذُ به، وهو قولُ الجمهور.
          وقال مالكٌ: إن أدخَلَ بسحرِه ضرراً على مسلمٍ، نُقضَ عهدُه بذلك، وقال أيضاً: يقتَلُ الساحرُ ولا يُستتابُ، وبه قال أحمدُ وجماعةٌ، وهو عندهم كالزِّنديق.