الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب مشاركة الذمي والمشركين في المزارعة

          ░11▒ (باب مُشَارَكَةِ الذِّمِّيِّ وَالْمُشْرِكِينَ) أي: الَّذينَ لهُم أمَانٌ، فعطفَهُم عَلى الذمِّي من عَطفِ العَامِّ على الخاصِّ، فليسَتِ الواو بمعنَى مع، فإنَّ المرادَ جوَازُ مشاركَةِ المسلِمِ لمن ذكَرَ (فِي الْمُزَارَعَةِ) لأنَّها في معنَى الإجَارةِ، واستئجَارُ المسلمِ لهم جائزٌ، وفي بعضِ النُّسخِ: <في الزراعة> بغيرِ ميمٍ، فإضافةُ ((مشارَكَة)) لما بعدُ من إضافَةِ المصدرِ إلى مفعُولِهِ بعدَ حذفِ فاعِلهِ ويجوزُ العكسُ، وقولُهُ: في المزارَعةِ متَعلِّقٌ بمشارَكَة أو حالٌ منها، وقيِّدَ بها إشَارةً إلى الخِلافِ في غيرِهِا فقَد خالَفَ في ذلك الثوريُّ واللَّيثُ وأحمَدُ وإسحَاقُ، وكذا مالِكٌ إلَّا أنَّه أجازَهَا معهُم إذا تصرَّفُوا بحضرَةِ المسلِمِ أو كانَ الَّذي يبِيعُ المسلِم.
          قالَ في ((الفتح)): وحُجَّتهُم خشيَةَ أن يدخُلَ في مالِ المسلمِ مَا لا يحِلُّ كالرِّبَا وثمَنِ الخمرِ والخنزِيرِ قالَ: واحتَجَّ الجمهُورُ بمُعاملَةِ النَّبيِّ صلعم يهُودَ خيبَرَ، وإذا جَازَ في المزارَعةِ جازَ في غيرِهَا أو بمشرُوعيَّةِ أخذِ الجزيَةِ منهم مع أنَّ في أموالِهِم ما فيهَا، انتهى.
          وقالَ العينيُّ: إمَّا أخذُ أموَالِهِم في الجزيَةِ فللضَّرُورةِ إذ لا مالَ لهُم غيرُهُ، ورُوي ما قالَهُ مالكٌ عن عطَاءٍ والحسَنِ البصريِّ ثمَّ قالَ: وعندَ أصحَابنَا مشارَكَةُ المسلمِ مع أهلِ الذِّمَّة في مشاركَةِ المفاوضَةِ لا يجوزُ عند أبي حنيفَةَ ومحمَّد خِلافاً لأبي يوسُفَ، انتهى.
          وقالَ القَسطلانيُّ: مذهبُ الشَّافعيَّةِ تكرَهُ مشاركَةُ الذِّمِّي ومَن لا يحترِزُ منَ الرِّبَا ونحوهُ كما نقلَهُ ابنُ الرِّفعَةِ عن البندَنِيجِيِّ لما في أموَالهِمِا من الشُّبهَةِ.