الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية.

          ░2▒ (باب مَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ) أي: بابُ بيانِ حُكمِ ما كانَ من خليطَينِ؛ أي: متخالطَينِ شريكَينِ أو لا، وحملهُمَا الشُّراحُ على الشَّريكينِ، و((ما)) موصولةٌ أو نكِرةٌ موصُوفةٌ مضَافٌ إليها ((باب))، والأقرَبُ تقديرُ ((باب))، و((من خلِيطَينِ)) متعلِّقٌ بـ((كانَ)) إن جُعِلتْ تامَّةً وبمحذوف خبرهَا إن كانَتْ ناقصةً (فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا) والضَّمائرُ راجعَةٌ للخليطَينِ (بِالسَّوِيَّةِ فِي الصَّدَقَةِ) أي: الزَّكاةِ أخذاً من الحدِيثِ، وإلَّا فالحُكمُ عامٌّ فيهمَا وفي التَّطوُّعِ، لكنَّ التَّسويةَ بينهُمَا إذا تسَاوَى المالانِ، وإلَّا فهمَا فيهمَا بحَسَبِ المالينِ، وقيلَ: المرادُ إنَّ الشَّريكينِ إذا تصرَّفَا في مالِ الشَّركةِ بإنفاقِ أحدِهِما أكثرَ منَ الآخرِ، فإنَّهُ يرجعُ المقِلُّ على المكثرِ عند الرِّبحِ بقدرِ ما أنفقَهُ المكثرُ زائداً ليكُونَا في المالِ المشترَكِ بينهُمَا بالسَّويَّة التي بُنِيتْ عليها الشَّركةُ، فليتأمَّل.
          وقالَ ابنُ بطَّالٍ كالخطابيِّ: فقهُ البابِ أنَّ الشَّريكَينِ إذا خلطَا رأسَ مالهِمَا فالرِّبحُ بينهُمَا، فمَن أنفقَ مِن مالِ الشَّركةِ أكثرَ ممَّا أنفقَ صاحبُهُ تراجَعَا عندَ القسمَةِ بقدرِ ذلكَ؛ لأنَّهُ عليه السَّلامُ أمرَ الخليطَينِ في الغنمِ بالتَّراجعِ بينهُما وهما شريكَانِ، فدلَّ ذلكَ على أنَّ كلَّ شريكَينِ في معناهُمَا.
          وتعقَّبهُ ابنُ المنيِّر: بأنَّ التَّراجُعَ الواقِعَ بينَ الخليطَينِ في الغنمِ ليس من بابِ قسمةِ الرِّبحِ، وإنَّما أصلُهُ غرمٌ مستهلكٌ؛ لأنَّا نقدرُ أن مَن لم يُعطِ استهلَكَ مالَ من أعطَى إذا أعطَى عن حَقٍّ وجبَ على غيرِهِ، وقيلَ: إنَّه يقدرُ متسلِّفاً من صاحبهِ على الخلافِ في وقتِ التَّقديمِ عندَ التَّراجُعِ هل يقُومُ وقتُ الأخذِ أو وقتُ الوفاءِ، فالأوَّلُ على أنَّه استهلَكَ، والثَّاني على أنَّه استلفَ.
          قال: وفيه دليلٌ لمذهبِ مالكٍ أنَّ من قامَ عن غيرِهِ بواجِبٍ فله الرُّجوعُ عليهِ، وإن لم يكُنْ أذِنَ له بالقيامِ عنه، وأمَّا لو ذبحَ أحدَ الخليطَينِ أو الشَّريكينِ من الشَّركةِ شيئاً فقيمتُهُ يوم الاستهلاكِ قَولاً واحداً؛ لأنَّه مستهلَكٌ بخِلاف / ما يأخذُهُ السَّاعي، انتهى.
          واعترضَهُ في ((الفتح)) بأنَّهُ هنا يحتملُ الإذنَ فلا يتمُّ الاستدلالُ على ما ادَّعاهُ.