الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب الاشتراك في الذهب والفضة وما يكون فيه الصرف

          ░10▒ (باب الاِشْتِرَاكِ) أي: جوازُهُ (فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) ((الاشتراكِ)) بتاءِ الافتعَالِ مصدَرُ: اشترَكَ، كاجتمَعَ وأقلُّ ما يكونُ بينَ اثنَينِ.
          قال في ((القاموس)): اشتَرَكَا وتشَاركَا وشَاركَ أحدُهُما الآخَر، والجارُ والمجرُورُ يتعلَّقُ بالمصدرِ فالشِّركةُ في هذينِ الجنسَينِ جائزةٌ إن اتَّفقَا في النَّوعِ والصِّفةِ، كذهبٍ وذهَب وفضَّةٍ وفضة وإلَّا فلا تجُوزُ؛ لأنَّ شرطَ الشِّركةِ صحَّةُ خلطِ المالينِ بحيثُ لا يتميَّزانِ، ثمَّ يعقدَانِ الشِّركةَ ويأذَنُ كلٌّ منهمَا للآخرِ بالتَّصرُّف ببيعٍ أو يفوِّضُ أحدُهُما للآخَرِ، فلو كانا ذهَباً وفضَّةً لم تصِحَّ الشِّركةُ، وكذا إذا كانَ أحدُهُما دراهِمَ مكسَّرةً والآخَرُ صحيحَةً، وهو مذهَبُ الشَّافعيِّ وأحمدُ ومالِكٌ في المشهُورِ عنه وكذا الكُوفيِّينَ إلَّا الثَّوريُّ فجوَّزهَا مع اختلافِ الجنسِ أو الصِّفةِ، وكان كلُّ واحدٍ من الشَّريكينِ باعَ نصفَ نصِيبهِ بنِصفِ نصِيبِ الآخَرِ، وظاهرُ صنيعِ البُخَاريِّ كالثَّوريِّ، ومثلُ الذهبِ بالذَّهبِ والفضَّة بالفضَّة في جوَازِ الاشترَاكِ فيه كلُّ مُثلَى بمثلِهِ عندَ الجمهُورِ ومنهمُ الشَّافعيَّةُ، وقيلَ: يختَصُّ جوَازُها بالنَّقدِ المضرُوبِ.
          (وَمَا يَكُونُ فِيهِ من الصَّرْفُ) بفتحِ الصَّاد المهملةِ وسكونِ الرَّاء، وفي بعضِ الأصُولِ بحذفِ: <من> و((ما)) في محلِّ جرٍّ عطفٌ على الاشترَاكِ قالهُ شيخُ الإسلامِ.
          قال في ((الفتح)) و((العمدة)): وذلك مثلُ الدَّراهمِ المغشُوشَةِ والتَّبرِ وغير ذلكَ، وقالَ شيخُ الإسلامِ زَكريَّا: وهو بَيعُ الذَّهبِ بالذَّهبِ والفضَّة بالفضَّةِ أو أحدُهُما بالآخرِ، وسُمِّي بذلكَ لصَرفهِ عن مُقتَضى البيَاعَاتِ من جوازِ التَّفاضُلِ فيه، وقيل: تصرِيفُهَا؛ أي: تصوبَتُها في الميزانِ، انتهى.
          وأقولُ: فيه أنَّ العلَّةَ الأُولَى إنَّما تجرِي مع أحدِ القسمَينِ، وقد اقتصَرَ الكرمَانيُّ على اختلافِ الجنسِ، وتبعهُ العينيُّ، وفيه أيضاً أنَّه لم يخرُجْ عن مُقتَضَى البياعَاتِ من جوازِ التَّفاضلِ، فتدبَّر.